عنوان الفتوى : مشاهد المسلسلات هل يعد ممن يجلس مع الذين يستهزؤون بآيات الله
في سورة النساء الآية:140، هل يكون الجالس مع الذين يكفرون بآيات اللَّـه ويستهزئون بها ـ والعياذ باللَّـه ـ مثلهم في الإثم؟ أم في الكفر؟ أي أنه يخرج من ملة الإسلام بسبب جلوسه معهم، ففي يوم ما كنت جالسا مع زوجتي ففتحت التلفاز على قناة تعرض مسلسلا فطلبت منها أن تغير القناة فرفضت، وكان بإمكاني تغييرها بنفسي ورغما عنها، ولكنني أنكرت بقلبي ولم أغادر المجلس، والمسلسل فيه ما فيه، وقد سمعت كلاما فيه اعتراض على القدر فأبغضته، ثم بعد فترة ليست بقصيرة نهضت وخرجت إلى غرفتي، وبعد ذلك رجعت، لأنني كنت أريد زوجتي في شيء، وجلست مرة أخرى وكان المسلسل على نهايته، علما بأنني أثناء جلوسي الأول والثاني لربما نظرت في التلفاز وشدني المسلسل، وقد أكون قد سمعت معظم أو بعض الحوارات التي تدور فيه وأحس أنني قصرت في الإنكار وتهاونت، وأخاف أن أكون قد وقعت في الكفر المخرج من الملة. أفتوني سريعا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمجرد حضور مجلس من المجالس المذكورة في قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ {النساء: 140}.
لا يخرج العبد من الملة هكذا بإطلاق، فإن هذا إنما يكون مع الرضا بقولهم وإقرارهم عليه، فالمثلية المذكورة في الآية لها درجات متفاوتة، قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: هذه المماثلة لهم خارجة مخرج التغليظ والتهديد والتخويف، ولا يصير المؤمن منافقاً بجلوسه إلى المنافقين، وأريد المماثلة في المعصية لا في مقدارها، أي أنّكم تصيرون مثلهم في التلبّس بالمعاصي. هـ.
وقال الطبري: يعني: فأنتم إن لم تقوموا عنهم في تلك الحال، مثلُهم في فعلهم، لأنكم قد عصيتم الله بجلوسكم معهم وأنتم تسمعون آياتِ الله يكفر بها ويستهزأ بها، كما عصوه باستهزائهم بآيات الله، فقد أتيتم من معصية الله نحو الذي أتَوْه منها، فأنتم إذًا مثلهم في ركوبكم معصية الله وإتيانكم ما نهاكم الله عنه. هـ.
وقال ابن كثير: إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ.
أي في المأثم، كما جاء في الحديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يُدَار عليها الخَمْر. هـ.
وراجع في ذلك الفتويين رقم:: 130930، ورقم: 43048، ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتويين رقم: 1048، ورقم: 6657.
وبالنسبة للسائل الكريم: فبغضه لما سمع في هذا المسلسل من المخالفات وإنكاره له بقلبه وطلبه من امرأته تغيير القناة لأجله، كل هذا يدل على عدم الرضا بهذا المنكر وعدم إقراره، وبالتالي ففعله لا يخرجه من الملة، ولكن هذا لا يعني أنه لم يخطئ ولم يذنب، فإن المخالفات الشرعية متفاوته بعضها أسوأ من بعض، ونجاة العبد وخلاصه من الكفر ليس نهاية المطاف، بل المؤمن يسعى للخلاص من كل ما يغضب الله، ويجتهد في ترك كل ما حرم الله، ومثل هذه المسلسلات المذكورة في السؤال لا تجوز متابعتها، وقد سبق بيان ذلك في عدة فتاوى، منها الفتويين رقم: 7571، ورقم: 1791.
وهذا الأمر لا يتعلق بالسائل وحده، بل يتعداه إلى أهل بيته، لأنه راعيهم وهو المسئول عنهم، فلابد من نصيحتهم وتربيتهم وتعويدهم على الخير وتجنيبهم الشر، امتثالا لأمر الله تعالى القائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ {التحريم: 6}.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ.
رواه البخاري ومسلم.
وقال ـ أيضا ـ صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ ذلك أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته.
رواه النسائي في السنن الكبرى، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.
وراجع في ذلك الفتويين رقم: 76396، ورقم: 56963.
والله أعلم.