عنوان الفتوى : من ثبت إسلامه بيقين فلا يخرج منه بالشك
ما حكم الحالات الآتية بالتفصيل؟. 1ـ إذا قلت باللفظ أو بالقلب: إن هذا الرأي متشدد وكان الرأي صحيحا، فهل أكفر بذلك مثل: تارك الصلاة كافر، رغم أنني لا آخذ بهذا الحكم؟. 2ـ إذا قلت أظن أن هذا من التشدد ـ وكنت فعلا أظن ذلك بقلبي ـ فهل هذا حرام؟ أم كفر؟ أم جائز؟. 3ـ إذا اتهمت مثلا: ابن عثيمين بأنه يحرم كل شيء، وكل عنده كفر، فهل هذا كفر؟ أم أنه حرام؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنقول للسائل الكريم: حنانيك، ارفق بنفسك، فليس الحكم بالكفر بالأمر الهين حتى يُطلق فيه القول بهذه السهولة ـ سواء على النفس أو الغيرـ وقد تقرر في الشريعة أن من ثبت إسلامه بيقين، لا يزول إسلامه بالشك، وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، فلا يكفر المسلم إلا إذا أتى بقول أو بفعل أو اعتقاد دل الكتاب والسنة على كونه كفراً أكبر مخرجا من ملة الإسلام، أو أجمع العلماء على أنه كفر أكبر، ومع ذلك، فلا يحكم بكفر المعين إلا إذا توفرت فيه شروط التكفير، وانتفت عنه موانعه، ومن ذلك أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً غير معذور بجهل أو تأويل فيما يكون فيه الجهل والتأويل عذراً.
وقد سبق لنا بيان ذلك، وبيان ضوابط التكفير وخطر الكلام فيه، وأنه ليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، وذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 721، 106396، 53835، 8106، 122556، 119321.
وبخصوص موضوع السؤال: فإن الحكم بالتشدد إذا أصدره المرء، لابد من التفريق بين كونه يعني بذلك حكم الله تعالى، فهو ينسب شيئا من الشريعة والديانة إلى التشدد، وبين كونه يعني رأي عالم بعينه وما يرجحه ويختاره.
فالحال الأولى: هي التي فيها الحرج كل الحرج، فإن كره شيء مما أنزل الله من سمات أهل الكفر، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ*ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ {محمد:8،9}.
وقال سبحانه: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء: 65}.
وأما الحال الثانية: فلا يليق إطلاقها من كل أحد، فليس كلام أهل العلم بالذي يباح تناوله بهذه الصورة، اتهاما للقول أو القائل، فالأدب مع العلم وأهله من سمات أهل التوفيق والفلاح، وراجع ذلك في الفتويين: 4402ورقم: 115784.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 58124 .
والذي نظنه أن السائل الكريم عنده شيء من الوسوسة في هذا الباب، فإن كان كذلك، فعليه أن يطرح هذه الأفكار عن نفسه ولا يسترسل معها ولا يجعل للشيطان عليه سبيلا، فإن الوسوسة مرض شديد وداء عضال والاسترسال معها يوقع المرء في الحيرة والشك المرضي، والضيق والحرج الشرعي، فكما يجب على العبد أن يخاف من الوقوع في الكفر ويبتعد عنه أشد البعد، فكذلك ينبغي أن لا يكون موسوسا، كلما حصل منه شيء اتهم نفسه أو غيره بالكفر، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 78602ورقم: 126529.
والله أعلم.