عنوان الفتوى : الغالب في القرآن الكريم إطلاق الكفر على الكفر بالتوحيد
بارك الله في علمكم، وعملكم. النص هو الذي لا يحتمل التأويل، كقوله تعالى: (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ)، بينما كلمة كفر ليست نصًّا، فهي تحتمل الكفر المخرج من الملة، والكفر الأصغر، وأريد مثالًا من القرآن يدل على الكفر، ويقصد به الكفر المخرج من الملة، ولا تحتمل معنى غير الكفر الأكبر بأيِّ وجه. أرغب في فهم النص في مسألة الكفر، الذي من خلاله أعرف أن المقصود به هو الكفر الأكبر.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الأعمّ في القرآن العظيم هو إطلاق الكفر على الكفر بالتوحيد والإيمان -وهو ما اصطلح العلماء على تسميته بالكفر الأكبر-، جاء في نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر لابن الجوزي:
الكفر: التغطية، والستر. وأنشدوا:
في ليلة كفر النجوم غمامها.
وذكر أهل التفسير أن الكفر في القرآن على خمسة أوجه:
أحدها: الكفر بالتوحيد، ومنه قوله تعالى في البقرة: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ}، وفي الحج: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، وهو الأعم في القرآن.
والثاني: كفران النعمة، ومنه قوله تعالى في البقرة: {وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ}، وفي الشعراء: {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}، وفي النمل: {أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}.
والثالث: التبري، ومنه قوله تعالى في العنكبوت: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ}، أي: يتبرأ بعضكم من بعض. وفي الممتحنة: {كَفَرْنَا بِكُمْ}.
والرابع: الجحود، ومنه قوله تعالى في البقرة: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}.
والخامس: التغطية، ومنه قوله تعالى في الحديد: {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ}، يريد الزراع، الذين يغطون الحب. اهـ. باختصار.
والآيات التي فيها الكفر بمعنى الكفر الأكبر، لا تكاد تحصى، كقوله سبحانه وتعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ {المائدة:72}، وقوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {المائدة:73}، وقوله تعالى: وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ {آل عمران:80}، وقوله تعالى: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ {التوبة:17}، وقوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {النحل:106}، وغير ذلك كثير جدًّا.
والله أعلم.