عنوان الفتوى : اشتراط رب العمل على العامل خصم أجرة يوم إذا تأخر عن المجيء
أنا موظف بمؤسسة عمومية ومكلف بالتصرف الإداري مع الموظفين، وكثرت هواجسي مؤخراً حول مسألتين: الغياب: تبين لي عند دراستي لأحد ملفات العمل أن خصم يوم من الأجرة لا يخص إلا الغائب يوماً كاملاً، بل حتى فترةً من اليوم إذ قد تكون عقوبةً نص عليها القانون الإداري لتفادي عدم احترام بعض الموظفين لوقت العمل وتمتعهم بكامل الأجرة، مع العلم أن نفس القانون يمكنهم من رخص لقضاء شؤونهم الخاصة متى شاءوا. تأتيني أحياناً مهام من أقسام أخرى بالمؤسسة تخص بطاقة إرشادات أو معطيات إدارية تخص بعض الأشخاص أستخرجها من حاسوبي، ومن بين هذه الأقسام: قسم يقوم بإنجاز مقررات تربص خارجي يستوجب سفراً وذلك لفائدة الذكور والإناث على حد السواء، وأحيانا لنقص المعلومات تطلب بطاقة إرشادات تخص بعض المستفيدين من هذا المقرر. وسؤالي هو: هل بإمكاني مواصلة العمل؟ أم الانتقال إلى إدارة أخرى؟ علماً بأنني أجد في نفسي رغبةً في مواصلة العمل للأسباب التالية: فهناك مسجد قريب جداً وهي منة لا يتمتع بها الكثير. ولدي مكتب منفرد أعمل فيه في حين أن الاختلاط والخلوة شائعان جداً في أوساط العمل. لا أرى نفسي في مؤسسة خاصة نظراً لتخصصي في القانون الوضعي الذي أريد الابتعاد عن مجالاته إلى أن وجدت هذا العمل الإداري، ونظراً لأنني أعاني من بعض النقص في السمع، والعمل الحالي يناسبني، إذ يعتمد على منظومة الحاسوب والملفات أساساً. أستعد للزواج حالياً ـ إن شاء الله. الواقع أن إقصاء الشرع في المعاملات والجهل به يجعل أي عمل إداري غير خال من بعض الشبهات، إذا أردنا اجتناب المحرمات. أفيدوني بارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما المسألة الأولى: فالذي يظهر لنا أن اشتراط رب العمل على العامل خصم أجرة يوم كامل إذا تأخر عن المجيء في ساعة معينة أو تغيب فترة معينة من اليوم: أن ذلك جائز، ولا يعد أكلا للمال بالباطل، فالمسلمون على شروطهم، والعقد شريعة المتعاقدين ما لم يخالف نصا شرعيا، والتكييف الفقهي لذلك يمكن تصوره بيسر في المشاهرة، بأن يكون معنى العقد بينهما أنه إن داوم بطريقة معينة وساعات معينة فأجرته كذا، وإن نقص من ذلك قدر كذا من الساعات فأجرته كذا، وهكذا، فالأمر لا يعدو كون العقد مشتملا على ضوابط تعرف بها الأجرة بحسب ساعات العمل، ولا يدخل هذا في مسألة التعزير بالمال، لأن العامل لم يمتلك المال أصلا ولم يدخل في ذمته، وإنما نقصت أجرته بقدر معين بحسب العقد المتفق عليه، وراجع للفائدة الفتويين رقم: 75926، ورقم: 48576.
وأما المسألة الثانية: فالذي فهمناه أن محل الإشكال في هذا التربص الخارجي المستوجب للسفر أنه لا يفرق بين النساء والرجال، ولا يخفى أن هذا قد يترتب عليه بعض المحاذير الشرعية، كسفر المرأة بغير محرم مثلا فإن كان هذا هو الذي يريد السائل الكريم أن يستفسر عنه، فجوابه: أنه متى علم أن عملا ما ستترب عليه مخالفة شرعية، فلا يجوز له الإعانة عليه بأي سبيل، لقوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة: 2}.
وعليه أن يتحاشى ذلك بقدر الإمكان، ولا حرج عليه إن قام بهذه المعاملة غيره من الموظفين، ولا يطلب منه عندئذ إلا النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقدر طاقته، فإن لم يستطع تجنب الإعانة على ما فيه محذور شرعي، فيجب عليه أن يجتهد في البحث عن عمل آخر لا حرمة ولا شبهة فيه، ولا حرج عليه أن يبقى في علمه الحالي إلى أن يجد غيره مما هو خال من المحظورات الشرعية، نظرا لما ذكر من الملابسات، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 95392.
والله أعلم.