الإخلاص في التوكل
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
الإخلاص في التوكلفقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن رجلًا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدًا، قال: فأتني بالكفيل قال: كفي بالله كفيلًا، قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبًا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجَّله، فلم يجد مركبًا، فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجَّ موضعها، ثم أتى بها إلى البحر، فقال: اللهم إنك تعلم أني تسلفت فلانًا ألف دينار، فسألني كفيلًا، فقلت: كفي بالله كفيلًا، فرَضِيَ بك، وسألني شهيدًا فقلت: كفي بالله شهيدًا، فرضي بك، وإني جهدت أن أجد مركبًا أبعث إليه الذي له، فلم أجد، وإني أستودعكها، فرمى بها إلى البحر حتى ولجت فيه ثم انصرَف، وهو في ذلك يلتمس مركبًا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبًا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطبًا، فلما نشَرها، وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينار، وقال: والله ما زلت جاهدًا في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدت مركبًا قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إليَّ شيئًا؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركبًا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدَّى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف دينار راشدًا".
انظر إلى الإخلاص كيف يأتي بالأعاجيب، إخلاص المقرض الذي يعطي المال ويُقرضه لوجه الله عز وجل، وإخلاص المدين الذي يرد المال لصاحبه ابتغاءَ وجه الله الكريم، فيُذلل الله البحر حتى يصل المال إلى صاحبه.
إخلاص الخليلين إبراهيم ومحمد صلي الله عليهما وسلم في التوكل:
وأعلي الناس توكلًا، وأخلصهم فيه: خليلا الرحمن: محمد وإبراهيم صلى الله عليهما وسلم.
في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا له: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173].
الإخلاص العالي في توكل أم إسماعيل رضي الله عنهما:
في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما جاء إبراهيم بأم إسماعيل وبابنها إسماعيل، حتى وضعها عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد، وليس بمكة يومئذ أَحَدٌ، وليس بها ماءٌ، فوضعهما هنالك، ووضع عندهما جرابًا فيه تمر، وسقاءً فيه ماء، ثم قفَّى[1] إبراهيم منطلقًا، فتبعته أم إسماعيل، فقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء؟ فقالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذًا لا يضيِّعنا، ثم رجعت".
[1] قفَّى: أي ولَّى راجعًا.