عنوان الفتوى : فرق بين الشك المؤدي للكفر وبين الوسوسة
المشكلة: أنني كلما أذكراسم الله عز وجل تنتابني شكوك و شيء ما في نفسي يقول: كاذبة لا تؤمنين، وينتابني رعب وهلع شديدان خوفا من هذا الشعور وأشعر أنني سألقى في نار جهنم حتما، ولكن المشكلة أنني لا أريد أن يحصل هذا، علما أنه عندما تأتيني هذه الشكوك أحاول ردها، ولكنني ـ مع حالة الذعرهذه ـ لا أستطيع حتى التفكير، وكلما اطمأنت نفسي بعد أن أرد عليها ينتابتني من جديد شيء يقول ويتردد: كافرة، كافرة، كافرة، وعندما أقوم لأقرأ القرآن يقول شيء: كذب وافتراء، وإذا سمعت عن الإعجاز العلمي يقول: أساطير وصدف أي نفس كلام الكفرة الذي ذكره القرآن، ولكنني مقتنعة به وأخاف من عذاب النار الذي لا يمكن أن أتخيله أصلا، إن هذا الشعور يعمي قلبي حتى إنه يطرق طرقا عنيفا ولا أستطيع الأكل أو النوم، وإذا أكلت أشعر أنني سأتقيأ فمعدتي ترفض الطعام والخوف يتملك قلبي حتى أتمنى الانتحار ولا يصيبني ما أصيبني أو يسلب إيماني، وإذا دعوت الله يقول لي: لا أحد يستجيب لك، لأنك لست مؤمنة، بل الله يلعنك، أو من تدعين لا يوجد، أنت التي أقررت هذا ولا أستطيع حتى التوبة، لأن التوبة تقتضي الإيمان الكامل بالله وعدم العودة لهذه الأفكار، وسألت نفسي إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم موجودا، وسألتها عن هذا الشعورماذا يترتبب عليه؟. إنني أتمنى أن تسوى بي الأرض ولا أفكرهذا التفكير، وأخاف أن تكون استيقنته نفسي، وإنني كلما نويت أن أعمل خيرا يقول: لمن تعملين هذا؟ فأنت كافرة مأواك جهنم، وتريدين أن تعملي خيرا فأعمالك باطلة ويجيني خاطر مضمونه: طيب لا توجد مشكلة هذا أفضل دين وأفضل خلق اعبدي الله لن تخسري شيئا. وأجاوب نفسي: إن هذا ليس بإيمان، بل هو كفر. بالله عليكم: هل إذا ما فكرت باليوم الآخر واتبعت الرسول صلى الله عليه وسلم في سري وعلني ودعوت الله ـ حتى مع وجود هذه الأفكارـ أنجو من نار جهنم؟ أم أن أعمالي كسراب بقيعة؟ إن قلبي قد تعب ويئست من الدنيا والآخرة وأصابني السقم، وأعذب كل يوم عذابا شديدا، والنار أراها أمامي ولست قادرة عليها، وهذا الشعور يقول لي: الله غير موجود والآخرة غير موجودة أيضا، وأنا لا أستطيع الذهاب إلى طبيب نفسي، ولا أقدر أن أقول هذا لأهلي، وقلبي يتفطرعندما يقول لي: غدا سترين أهلك في الجنة وأنت في النار، أرجوكم ساعدوني لا أريد الكفر بعد الإيمان، فهل شهادة أن لا اله إلا الله باللسان مع العمل الصالح والتزام شرع الله يقيني جهنم؟. لا أريد أن أيأس من رحمة الله، ولكن لا أريد أن يلعنني الله بكفري، علما أنني عندما لا أكون خائفة يزيد الإيمان في قلبي وأزيد من العمل الصالح، فما حل هذه المشكلة؟ أنا الآن في الدنيا ولا تزال الفرصة أمامي، بالله عليكم أن تدعوا لي وتحلوا لي هذه المشكلة، فكيف أستشعر وجود الله؟ علما أنني عندما أرى رجال الدين أغبطهم وأتمنى أن أكون مثلهم، وإذا رأيت مسلما على منكر يقول لي هذا الشعوراللعين: هذا مسلم سيدخل الجنة وأنت تنهينه عن المنكر وستدخلين النار بكفرك. و أحاكي نفسي: إن الدين ليس صعبا لهذه الدرجة، والإنسان لا ينبغي أن لايأكل ولا يشرب خوفا من ربه. قولوا لي ماذا أفعل؟. أرجوكم، فأنا أحب الإيمان، ولكنه سلب مني.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فنسأل الله تعالى أن يلهمك رشدك وأن يشرح صدرك، وأن يعافيك من شر الوسوسة وشرالشيطان وشركه.
ثم إنك ـ أيتها السائلة الكريمة ـ لست بكافرة والحمد لله، بل في ما ذكرت دليل على صحة اعتقادك وتعظيمك لله تعالى وخوفك منه، فحالك لا يعدو الوسوسة التي قد عفا الله عنها، فمن فضل الله تعالى ورحمته أن تجاوز عن ذلك ما لم يعمل به المرء أو يتكلم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تتكلم. رواه البخاري ومسلم.
وكره العبد وخوفه ونفوره من هذه الخواطر والوساوس الشيطانية علامة على صحة الاعتقاد وقوة الإيمان، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.
قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ. وراجعي في ذلك الفتويين رقم: 7950، ورقم: 12300.
وأبشري أختنا الكريمة فإنك ـ إن شاء الله ـ من هذا النوع، حيث تقولين عن نفسك: ينتابني رعب وهلع شديد خوفا من هذا الشعور ـ وتقولين أيضا: لكني مقتنعة به وأخاف من عذاب النارـ وتقولين: إنني أتمنى أن تسوى بي الأرض ولا أفكر هذا التفكيرـ إلى غير ذلك، مما يدل دلالة صريحة على أن الذي تشتكين منه ما هو إلا وسوسة معفوعنها.
ولا ريب أن هناك فرقا بين الشك المؤدي للكفر وبين الوسوسة فالوسوسة: شيء يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان، فإذا كرهه العبد ونفاه دلت كراهته على صريح الإيمان.
وأما الشك: فهو نقيض اليقين، وهو: التردد بين شيئين، كالذي لا يجزم بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يكذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه، وقد يطرأ في نفس الإنسان نوع وسوسة يظنه شكا ولكنه ليس ذلك، بل يكون في داخله مصدقا مؤمنا، وعلامة ذلك كراهته لهذه الخواطر وخوفه ونفوره منها، كما هوحال السائلة الكريمة، قال النووي ـ الأذكار: الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمرعليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيار له في وقوعه ولا طريق له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل.
قال العلماء: المراد به الخواطرالتي لا تستقر، قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرا أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطران من غير تعمد لتحصيله ثم صرفه في الحال فليس بكافر ولا شيء عليه. اهـ.
فعليك بالإعراض عن هذه الوساوس الشيطانية، واشغلي نفسك عنها بذكر الله تعالى والدعاء والتضرع وتلاوة القرآن والاشتغال بما ينفعك في أمر دينك ودنياك، لئلا تفسحي المجال للشيطان، وقد سبق لنا التنبيه على سبل التخلص من الوسوسة وعلاجها في عدة فتاوى، منها الفتاوى التالية أرقامها: 3086، 60628، 2081، 78372، 55678، 102447، 111084، 116946، 117004.
والله أعلم.