من أقوال السلف في العقوبات
مدة
قراءة المادة :
16 دقائق
.
من أقوال السلف في العقوباتالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد:
فمن أسماء الله الحسنى "الحليم"؛ قال سبحانه: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 235]، والحليم كما ذكر أهل العلم: الذي لا يعجِّل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم ومعاصيهم، ويوالي النعيم عليهم مع زلَّاتهم، وهذا من حِلْمِ الله جل جلاله، وقد أخبر بأنه لو يؤاخذ العباد بذنوبهم، لَما أبقى على ظهر الله من دابة؛ كما قال عز وجل: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [النحل: 61]، فالحمد لله أولًا وآخرًا على نِعَمِهِ المتوالية على عبادة مع كثرة ذنوبهم.
وحِلم الله جل جلاله على عباده من أجل أن يتوبوا؛ قال العلامة ابن القيم رحمه الله:
وهو الحليم فلا يعاجِل عبدَه
بعقوبة ليتوبَ من العصيانِ
فينبغي على العبد التوبةُ من ذنوبه، وعدم الاغترار بحِلْمِ الله عز وجل عليه؛ فهو جل وعلا يُملي للظالم؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 182]، قال العلامة العثيمين رحمه الله: "يجب على العبد أن يلاحظ نفسه إذا رأى النِّعَمَ تتْرى عليه، وهو مُقصِّر، فليعلم أن هذا استدراج من الله عز وجل، فلْيُقْلِع عن المعصية، وليتُب إلى الله قبل أن يؤخَذَ بالعقوبة.
للسلف أقوال العقوبات، جمعت بفضل الله وكرمه بعضًا منها، أسأل الله الكريم أن ينفعني وجميع المسلمين بها.
لا تأمَن من العقوبة وأنت مقيم على الذنوب:
♦ قال ابن دينار رحمه الله: إذا رأيت ربَّك يتابع عليك نعمه، وأنت تعصيه، فاحذره.
♦ قال أبو علي الروذباري رحمه الله: من الاغترار أن تسيء فيُحسن إليك، فتترك الإنابة والتوبة توهُّمًا أنك تسامَح في الهَفَوات.
♦ قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: ينبغي لكل ذي لبٍّ وفطنة أن يحذر عواقب المعاصي، فإنه ليس بين الآدمي وبين الله تعالى قرابة ولا رَحِم، وإنما قائم بالقسط حاكم بالعدل، وإن كان حلمه يَسَعُ الذنوب، إلا أنه إذا شاء عفا، فعفا كل كثيف من الذنوب، وإذا شاء أخذ، وأخذ باليسير، فالحَذَرَ الحَذَرَ.
ولقد رأيت أقوامًا من المُتْرَفِين كانوا يتقلبون في الظلم، والمعاصي الباطنة والظاهرة، فتعبوا من حيث لم يحتسبوا، فقُلعت أصولهم.
ورأيت أقوامًا من المنتسبين إلى العلم أهملوا نظر الحق عز وجل إليهم في الخلوات، فمحا محاسن ذكرِهم في الجَلَوات، فكانوا موجودين كالمعدومين، لا حلاوة لرؤيتهم، ولا قلبَ يحِنُّ إلى لقائهم...
فالله الله في مراقبة الحق عز وجل...
فإن عليكم من الله عينًا ناظرة، وإياكم والاغترار بحلمه وكرمه؛ فكم استدرج! وكونوا على مراقبة الخطايا مجتهدين في محوِها، وما شيء ينفع كالتضرع مع الحِمْيَةِ من الخطايا.
فالله الله، اسمعوا ممن قد جرَّب، كونوا على مراقبة، وانظروا في العواقب.
تأخير العقوبة قد يكون للعقاب الطويل:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: في قصة كعب من الفوائد: عاقَبَ مَن صدَقَ بالتأديب الذي ظهرت فائدته عن قُربٍ، وأخَّر من كذب للعقاب الطويل.
العقوبة تارة تتعجل، وربما تأخرت، فلا تغتر:
♦ قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: من أعظم المحن الاغترارُ بالسلامة بعد الذنب.
اعلم أن العقوبة تختلف؛ فتارة تتعجل، وتارة تتأخر، وتارة يظهر أثرها، وتارة يخفى.
الواجب على العاقل أن يحذر مغبَّةَ المعاصي؛ فإن نارها تحت الرماد، وربما تأخرت العقوبة ثم فَجَأت، فمن الاغترار أن تسيء فترى إحسانًا، فتظن أنك قد سُومِحت؛ وتنسى: ﴿ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ﴾ [النساء: 123].
وقد تتأخر العقوبة وتأتي في آخر العمر، فيُهان الشيخ في كبره حتى ترحمه القلوب، ولا يُدرى أن ذلك لإهماله حق الله تعالى في شبابه، فمتى رأيت مُعاقَبًا فاعلم أنه لذنوب، فبادِرْ بإطفاء ما أوقدتَ من نيران الذنوب، ولا ماءَ يطفئ تلك النار إلا ما كان من عَين العَين.
♦ عن محمد بن سيرين رحمه الله، لما ركِبه الدَّين اغتمَّ لذلك، فقال: إني لأعرف هذا الغمَّ بذنب أصبته منذ أربعين سنة.
أعظم العقوبة:
قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: أعظم المعاقبة ألَّا يُحِسَّ المعاقَبُ بالعقوبة، وأشدُّ من ذلك أن يقع السرور بما هو عقوبة، كالفرح بالمال الحرام، والتمكن من الذنوب، ومَن هذه حاله لا يفوز بطاعة.
وربما رأى العاصي سلامةَ بدنه وماله، فظن أن لا عقوبةَ، وغفلته عما عُوقب به عقوبة.
المخاصمة سبب في العقوبة المعنوية:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال القاضي عياض: فيه دليلُ أن المخاصمة مذمومة، وأنها سبب في العقوبة المعنوية؛ أي: الحرمان.
أشدُّ وأعظم العقوبات:
♦ قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: العقوبات...
أشدها العقوبة بسلب الإيمان...
ودون ذلك موتُ القلوب، ومحوُ لذة المناجاة منه، وقوة الحرص على الذنب، ونسيان القرآن، وإهمال الاستغفار، ونحوه مما ضرره في الدِّين.
وربما دبَّت العقوبة في الباطن دبيبَ الظلمة، إلى أن يمتلئ أفق القلب فتَعْمَى البصيرة.
♦ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: العقوبة أنواع كثيرة: منها ما يتعلق بالدين، وهي أشدُّها؛ لأن العقوبات الحسية قد يتنبَّه لها الإنسان، أما هذه، فلا ينتبه لها إلا من وفَّقه الله، وذلك كما لو خفَّت المعصية في نظر العاصي، فهذه عقوبة دينية تجعله يستهين بها، وكذلك التهاون بترك واجب، وعدم الغَيرة على حرمات الله، وعدم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل ذلك مصائب؛ ودليله قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ﴾ [المائدة: 49].
يقول عز وجل: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ ﴾ [الشورى: 30]؛ يشمل المصائب الدينية والمصائب الدنيوية، وأعظمهما المصائب الدينية، فإنها أعظمُ من المصائب الدنيوية، فإذا قُدِّر أن أحدًا أُصيب بانتكاسة والعياذ بالله، فهو أشدُّ من أن يهلِكَ أهلُه وماله، فإن المصائب الدينية أعظم بكثير من المصائب الدنيوية؛ إذ إن المصائب الدُّنيوية تزولُ وتُنسى، أما المصائب الدينية - والعياذ بالله - فخسارةٌ في الدنيا والآخرة.
ومصائب الدين؛ كالمعاصي، والبِدع، وكراهة الحق، وكراهة أهل الحق، وما أشبه هذا، فمثلًا: الإنسان إذا أصابه فتور في الطاعة، أو إعراض عن الطاعة، فلا شك أنها مصيبة، لكنها لا يقرُّ عليها، يجب عليه أن يهرب منها، كما يهرب من المصائب الحسية.
العقوبة لا تنحصر في فِقدان النعمة، بل العقوبة تكون بفِقدان النعمة وتكون بقسوة القلب ومرضِه، والواقع أن عقوبات القلوب بالمرض والقسوة والإعراض عن الله وعن ذكره، وهذه أكبر عقوبة، فإن هذا يوجب للإنسان ضيقَ الصدر والتعب من الحياة...
إن مِن أعظم العقوبات على العاصي أن يَقسوَ قلبُه عن طاعة الله، فإن قسوة القلب توجب الإعراض وتوجب الغفلةَ، ومِن ثَمَّ تُوجب موتَ القلب، والهلاك في الدنيا والآخرة؛ قال عز وجل: ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ﴾ [المائدة: 13]، وقال رحمه الله: إذا تراكَمتِ المعاصي على القلوب، سُدَّت عنها طُرقُ الخير؛ قال الله تبارك وتعالى: ﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا ﴾ [المطففين: 13، 14]؛ أي: ليست أساطيرَ الأوَّلين، ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]؛ أي: تراكَم واجتمَع عليها ما كانوا يكسِبون من الأعمال السيئة، حتى رأوا أعظمَ كلامٍ أساطيرَ الأولين.
قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: قال الله عز وجل: من أعظم العقوبة أن يُسلَبَ المرءُ الاعتبار بآلاء الله عز وجل، ومن أعظم الخِذلان أن يُخذَل العبد، فينظر إلى آلاء الله، فلا يقيم لها وزنًا، وينظر إلى آيات الله، فلا تُحدِث له اعتبارًا، هذا قسوة في القلب، والقلب يقسو حتى يكون كالحجارة أو أشد من الحجارة قسوة.
وأعظم ما يعاقب الله عز وجل به العبد بذنبه، ومعصيته أن يعاقبه بعقوبات قدرية قلبية، كأن يقسو قلبه، ثم بعد القسوة ربما لا يرى الحق حقًّا، ولا يرى الباطل باطلًا، وقد يزداد بعد ذلك، ويزيد الله في عقوبته، أو يزيد أثر المعصية على القلب بأنه يرى الحق باطلًا، ويرى الباطل حقًّا، هذا أعظم الانتكاس، وأعظم آثار الذنوب على القلوب، وهذا هو الواقع.
من عقوبات الذنوب:
♦ قال عبدالله بن محمد الراسبي رحمه الله: الهموم عقوبات الذنوب.
♦ قال مالك بن دينار رحمه الله: إن لله عقوباتٍ في القلوب والأبدان، ضنكًا في المعيشة، ووَهْنًا في العبادة.
♦ قال أبو الحسن المزين رحمه الله: الذنب بعد الذنب عقوبةُ الذنب.
♦ قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: قال الحكماء: المعصية بعد المعصية عقابُ المعصية.
من تأمل عواقب المعاصي وجدها قبيحة ...
فأُفٍّ للذنوب ما أقبح آثارها! وما أسوأ أخبارها! فمتى رأيت تكديرًا في حالٍ، فاذكر نعمة ما شكرت، أو زلَّة قد فعلت.
كان الفضيل بن عياض يقول: إني لأعصي الله، فأعرف ذلك في خُلُقِ دابتي وجاريتي، قال بعض المعتبرين: أطلقت نظري فيما لا يحل لي، ثم كنت أنتظر العقوبة، فأُلجئت إلى سفر طويل لا نية لي فيه، فلقِيتُ المشاقَّ، ثم أعقب ذلك موت أعز الخلق عندي، وذهاب أشياء كان لها وقع عظيم عندي، ثم تلاقيت أمري بالتوبة فصلَحَ حالي، ثم عاد الهوى فحملني على إطلاق بصري مرة أخرى، فطُمِس قلبي.
وأنا أقول عن نفسي: ما نزلت بي آفة أو غمٌّ أو ضيقُ صدر إلا بِزَلَلٍ أعرفه حتى يمكنني أن أقول: هذا بالشيء الفلاني، وربما تأولت فيه بعد، فأرى العقوبة، فينبغي للإنسان أن يترقب جزاء الذنوب، فقلَّ أن يسلم منه.
فها أنا أنادي من على الساحل: إخواني، احذروا لُجَّةَ هذا البحر، ولا تغتروا بسكونه، وعليكم بالساحل...
فالعقوبة مرة، فأفيقوا من سُكْرِكم، وتوبوا من زلَلِكم، واستقيموا على الجادة ﴿ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 56].
أهون العقوبات:
قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: وأهون العقوبة ما كان واقعًا بالبدن في الدنيا.
عقوبة القلب أشد من عقوبة البدن:
قال الشيخ إسحاق بن الشيخ عبدالرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله تعالى: ومن العقوبات القدرية على القلوب: عدم الإحساس بالشر، وهي آلام وجودية تضرِب القلب، تنقطع بها مواد حياته وصلاحه، وإذا انقطعت عنه حصل له أضدادها بلا شك، وعقوبة القلب أشد من عقوبة البدن، فلذلك يصير المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا.
الإصرار على المعاصي قد تكون عاقبته سوءَ الخاتمة:
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: الإصرار على المعاصي، وشُعَبِ النفاق، من غير توبة، يُخشى منها أن يعاقَبَ صاحبها بسلب الإيمان بالكلية، وبالوصول إلى النفاق الخالص، وإلى سوء الخاتمة، نعوذ بالله من ذلك، كما يقال: إن المعاصي بريدُ الكفر.
العقوبات قد تكون معنوية:
قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: وربما كان العقاب معنويًّا، كما قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا رب، كم أعصيك ولا تعاقبني! فقيل له: كم أعاقبك ولا تدري! أليس قد حرمتك حلاوةَ مناجاتي؟
قال وهب بن الود وقد سُئل: أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال: ولا من هَمَّ.
فرُبَّ شخص أطلق بصره، فحُرم اعتبار بصيرته، أو لسانه فحُرم صفاء قلبه، أو آثر شبهة في مطعمه...
فحُرم قيام الليل وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك.
عقوبة الله إذا وقعت لا ينفع فيها محاولة:
قال العلامة العثيمين رحمه الله عن بني إسرائيل: ابتُلوا في طعامهم بأربعة أنواع من العقوبات:
الأولى: الطوفان للبَذْرِ، وهو الماء يُفسد الزرع قبل أن يخرج ويُغرقه.
الثانية: الجراد للزرع النابت، أُرسل عليه الجراد.
الثالثة: القُمَّل الذي هو السوس، أُرسل على المُدَّخر.
الرابعة: الدم لِمَا أُكل؛ لأن الطعام يتحوَّل في البدن إلى دمٍ يتغذَّى به الجسم، فإذا ابتُلوا بالنزيف ضاعت فائدة الطعام.
وهذا ابتلاء بالتدرج في الطعام، أما الشراب، فابتلوا به في الضفادع، إذا جاؤوا يشربون، وإذا الإناء مملوء ضفادعَ، والعياذ بالله، وليست واحدة يُبعدها، بل ربما تكون صغيراتٍ جدًّا، لا يستطيع أن يتخلص منها، وعقوبة الله لا ينفع فيها محاولة؛ كما في قصة الرجل لَمَّا قال الله عز وجل: ﴿ فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾ [الملك: 30]، قال: تأتي به المعاول فأصبح وقد غار معينه، فلا ينفع فيه المِعْوَل، نسأل الله السلامة.
اختيار العقوبة الدنيوية على مواقعة الذنب:
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: ينبغي للعبد إذا ابتُلي بين أمرين: إما فعل معصية، وإما عقوبة دنيوية، أن يختار العقوبة الدنيوية على مواقعة الذنب الموجِب للعقوبة الشديدة في الدنيا والآخرة.
عقوبة من اتهم غيره من غير بيِّنة:
قال مكحول الشامي: رأيت رجلًا يصلي، وكلما ركع وسجد بكى، فاتَّهمتُه أنه يُرائي ببكائه، فحُرمت البكاء سنة.
عقوبة الذنوب قد تكون في آفة تفضَح الإنسان بين الخَلق:
قال ابن الجوزي رحمه الله: نظرت في الأدلة ...
فرأيت من أعجبِها أن الإنسان قد يُخفي ما لا يرضاه الله عز وجل، فيُظهره الله سبحانه عليه ولو بعد حين، ويُنطِقُ الألسنة به، وإن لم يشاهده الناس، وربما أوقع صاحبه في آفة يفضحه بها بين الخلق، فيكون جوابًا لكل ما أخفى من الذنوب؛ وذلك ليعلم الناس أن هناك من يجازي على الزلل، ولا ينفع من قدره وقدرته حجابٌ ولا استتار، ولا يُضاع لديه عمل.
العقوبة ربما امتدت إلى زمن الموت:
قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله: أيها المذنب، إذا أحسست نفحاتِ الجزاء، فلا تكثرنَّ الضجيج، ولا تقولنَّ قد تبتُ وندمتُ، فهلا زال عني...
الجزاء...
فلعل توبتك ما تحققت.
وإن للمجازاة زمانًا يمتد امتداد المرض الطويل، فلا تنجع فيه الحِيَل حتى ينقضي أوانه ...
فاصبر أيها الخاطئ...
فرُبَّ عقوبة امتدت إلى زمن الموت.
فاللازم لك أن تلازم محراب الإنابة، وتجلس جِلسة المستجدي.
وإن متَّ في سجنك، فربما ناب حزن الدنيا عن حزن الآخرة، وفي ذلك ربح عظيم.
اللهم أيقظ قلوبنا، ووفقنا إلى التوبة والإنابة، وثبتنا على ذلك إلى الممات.