أرشيف المقالات

موعظة في معرفة الله تعالى

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
موعظة في معرفة الله تعالى
عباد الله، إن الناس في هذا الزمن لم يعرفوا ربَّهم المعرفة التي تليق بجلاله وعظمته، ولو عرَفوه حقَّ المعرفة لم يكونوا بهذه الحال؛ لأنه من كان بالله أعرف، كان منه أخوف، إن العارف بالله يخشاه، فتُعقِّله هذه الخشية بإذن الله عما لا ينبغي من الأقوال والأفعال؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28].
العارف بالله لا يجرؤ أن يحرِّك لسانه بكلمة من المنكرات أفعال أو أقوال؛ كالغيبة والنميمة والكذب والقذف، والفسق والسخرية والاستهزاء، ونحو ذلك، ولا يستعمل عضوًا من أعضائه في عمل ليس بحلالٍ، بل يكف بصرَه وسمعه ويده ورجله عن المحرمات؛ لأنه يؤمن حق الإيمان بأن الله جل وعلا مهما تخفى وتستَّر العبد عنه فإنه يراه.
 
والعارف بالله لا ينطوي على رذيلة كالكبر والحقد والحسد، وسوء الظن، وغير ذلك من الرذائل الممقوتات؛ لأنه يصدق أن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه يعلم ما تُكنه الصدور كما يعلم العلانية، فلا يستريح العارف حتى يكون باطنه كظاهره مطهرًا من كل فحشاء، وكذلك لا تسمع من فم العارف عند نزول المصائب والبلايا والشدائد إلا الحسن الجميل، فلا يغضب لموت عزيزٍ أو فقد مالٍ أو مرض شديد طويلٍ؛ لأنه يعلم أن غضبه وتسخُّطه يفوت عليه أجره، ولا يرد ما فات كما قيل:






لا تلق وقتَك إلا غيرَ مُكترثٍ
ما دام يصحب فيه رُوحَك البدنُ


فما يدوم سرورٌ ما سررتَ به
ولا يردُّ عليك الفائت الحزنُ






ولا ييئَس العارف من زوال شدة مهما استحكمت، فإن الفرج بيد الله الذي قال وقوله الحق: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]، ولا ييئَس من حصول خير مهما سما وابتعد؛ لأنه يؤمن أن الأمر بيد من إذا أراد شيئًا قال له: كن فكان، وإن بدا محالًا في نظر الجهلاء، ولا يقنط العارف ولا يقنط مؤمنًا من رحمة الله التي وسعت كلَّ شيء، وإن كانت ذنوبه أمثال الجبال والرمال، ولا يؤمن العارف مستقيمًا من العذاب مهما كان العمل من الصالحات؛ لأنه يغفر الذنوب جميعًا، وأنه له الحجة البالغة، وأن القلوب بين أصبعين من أصابعه جل وعلا، فلا تغفل عن ذلك وإن أهمله الكثير من الناس، قال أحد العلماء: الغموم ثلاثة: غم الطاعة ألا تقبل، وغم المعصية ألا تغفر، وغم المعرفة أن تسلب.






عليك من الأمور بما يؤدي
إلى سنن السلامة والخلاص


وما ترجو النجاة به وشيكًا
وفوزًا يوم يؤخذ بالنواصي


فليس تنال عفو الله إلا
بتطهير النفوس من المعاصي


وبر المؤمنين بكل رِفقٍ
ونُصح للأداني والأقاصي


وإن تَشْدُد يدًا بالخير تُفلح
وإن تَعدِل فما لك من مناصِ






آخر:






اغتنِم في الفراغ فضلَ ركوعٍ
فعسى أن يكون موتك بغتةَ


كم صحيحٍ رأيت من غير سقمٍ
ذهبتْ نفسُه العزيزة فلتةَ






اللهم ألْهمنا ذكرك وشكرك وارزُقنا الاستقامة طوعَ أمرك، وتفضَّل علينا بعافيتك وجزيل عفوك، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ألْهمنا القيام بحقك، وبارك لنا في الحلال مِن رزقك، ولا تفضَحنا بين خلقك، يا خير من دعاه داعٍ، وأفضل من رجاه راجٍ يا قاضي الحاجات، ويا مُجيب الدعوات هبْ لنا ما سألناه وحقِّق رجاءنا فيما تَمنيناه، وأمَّلنا يا من يَملِك حوائج السائلين، ويعلم ما في ضمائر الصامتين، أذِقنا بردَ عفوك وحلاوة مغفرتك، يا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣