عنوان الفتوى : أهمية غض البصر والحذر من فتنة النساء
أرجوكم لدي مشكلة أو أن شئتم خليط من المشاكل أعانكم الله على فهمها... أولاً قصتي أني كنت متدينا بفضل الله، وزدت فترة في التدين، فكان زملائي يضخمونني ويمدحونني بمبالغة، وأصابني وسواس في أشياء غريبة غير الوسواس عند الناس العادية، فمثلاً أدقق في كل شيء، فعندما شعرت أني معجب بنفسي قرأت كثيراً وسمعت من شيوخ كثيرة أن الطاعات بفضل الله وليس بنفسك فاقتنعت، ولكن عندما أفعل أي شيء أدقق فهل هو من محض فضل الله أم مني، فمثلاً حسن الظن بالله ربنا يقول: فليظن عبدي بي ما شاء، فأنا أخاف أن أنسبها لنفسي وأخاف أن أكذب وأنسبها إلى الله، وأحلف عندما أنوي أن أتبرع أو أصلي أن الفضل لله ويأتيني وسواس يعلمه الله في الشدة من هذا الموضوع، وأن الإخلاص هل هو بفضل الله أم أكون كذابا لو حلفت أنه من فضل الله.. ومعنى ذلك أني لا أنسبه إلى الله ولا أنسبه لنفسي، فهل كل أعمالي محبطة لان لإخلاص شرط، فأرجوكم أريد دليلا خاصا بهذه النقطة إن الإخلاص من فضل الله لكي أحلف وأبرئ ذمتي أمام الله... ثم شيئاً آخر أن قلبي مطمئن ولا يخاف من ربنا وأيضاً فيه حقد، ونفسي تدلني على طريق أصلح بها أمراض قلبي ونفسي، أنا نفسي أوصل لربنا وأدخل الفردوس وكل هذه العقبات أمامي.. وبالمناسبة في هذه الفترة وأنا في كلية الطب وعندي امتحانات وحصل لي بعض الحاجات مثلاً لم أستطع غض البصر نهائياً ووقعت في حب فتاة عادية لا أشعر أنها تناسبني أبداً ولا أعرف كيف أتخلص من الموضوع، وكل فترة أمر من أمام بيتها وأنا لا أريد الزواج منها والفجر ضاع وعرفت أن هذا عقاب لأن الفضل بيد الله، وها هو وكلني إلى نفسي فلم أستطع أن أفعل شيئا، فأرجو المعذرة على الإطالة لأن مشكلتي توصلني إلى حالة الكآبة وعندي امتحانات ولا أعرف أن أتخلص من العجب والوسوسة، وعندي وسوسة في البدعة، فمعظم كلامي العادي أحس أنه بدعة، فأرجوكم أجيبوني عن كل نقطة وليس كلاما عاما ولا تحيلوني إلى إجابات سابقة.. وجزاكم الله خيراً، وأنا سوف أفرح كثيراً لو لو تمت الإجابة قبل يوم 21 لأني عندي امتحان وسأرى البنت التي قلت لحضراتكم عليها يوم 23 وأخاف أن يخذلني ربي في الامتحان حيث مذاكرتي ضعيفة، ولكن توفيقه لي كبير وكرمه كثيراً جداً جداً، وأنا أحبه وأسأله أن يغفر لي ما أفعله هذه الأيام من الاعتراض والمعاصي وحتى الرياء؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا شك أن جميع الأعمال الصالحة، الظاهرة والباطنة إنما هي من فضل الله على العبد وتوفيقه له، كما قال سبحانه: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً {النساء:83}، وقال تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً {النور:21}، قال السعدي: أي ما تطهر من اتباع خطوات الشيطان، لأن الشيطان يسعى هو وجنده في الدعوة إليها وتحسينها، والنفس ميالة إلى السوء أمارة به، والنقص مستول على العبد من جميع جهاته، والإيمان غير قوي، فلو خلي وهذه الدواعي، ما زكى أحد بالتطهر من الذنوب والسيئات والنماء بفعل الحسنات، فإن الزكاء يتضمن الطهارة والنماء، ولكن فضله ورحمته أوجبا أن يتزكى منكم من تزكى.. وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. انتهى.
وقال القشيري: ردَّهم في جميع أحوالهم إلى مشاهدة ما منَّ الحقُّ في قسمي النفع والدفع، وحالتي العسر واليسر، والزَّكى من الله، والنُّعمى من الله، والآلاءُ من الله، قال تعالى: وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ. انتهـى.
ولذلك قال الله تعالى في الحديث القدسي: يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. رواه مسلم. وقد سبق لنا بيان أن القيام بالطاعات من توفيق الله وفضله، في الفتوى رقم: 116993. فلو حلف العبد أن طاعته وإخلاصه من فضل الله عليه لبرَّ وأصاب.
وأما مسألة العجب فهي بإذن الله منتفية عنك طالما أنك مدرك أن ما بك من نعمة فهي من فضل الله عليك وتوفيقه لك، وقد سبق لنا بيان حقيقة العجب وحالاته وحكمه وعلاجه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 32856، 63817، 64618.
وأما مسألة ضعف الخوف من الله تعالى، فقد سبق لنا بيان سبل غرس مخافة الله وكيفية اكتسابها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 25324، 66109، 41019.
وأيضا آفة الحقد سبق لنا بيان مضارها وطرق علاجها والهدي النبوي في إزالة أدرانها، في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 14710، 47219، 69659.
وكذلك علاج أمراض القلوب، سبق بيانها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 17323، 8372، 49609.
وبصفة عامة قد سبق لنا بيان وسائل تقوية الإيمان وتحقيق الاستقامة، وذكر نصائح لاجتناب المعاصي وبيان شروط التوبة وبيان الأسباب المعينة على التخلص من غواية الشيطان، في الفتاوى ذات الأرقام التالية:
10800، 1208، 93700، 5450، 33860، 56356.
وأما شعورك بأن معظم كلامك العادي بدعة فهذا أمر عجيب، فإن البدعة أمر مخترع في الدين، فأين هذا من كلامك العادي، وانظر تعريف البدعة في الفتوى رقم: 631.. ولهذا نقطع أن أصل مشكلتك أيها السائل الكريم هي الوسوسة المرضية، فعليك -أخي الكريم- بالإعراض عن هذه الوساوس الشيطانية وتجاهل هذه الخطرات المرضية، واشغل نفسك عنها بذكر الله تعالى، وتلاوة القرآن، والاهتمام بمذاكرتك وبما ينفعك في أمر دينك ودنياك؛ لئلا تفسح المجال للشيطان، والهج بالدعاء والذكر ليكشف الله عنك البلاء. ولمزيد الفائدة عن الوسوسة وعلاجها يمكنك مراجعة الفتوى رقم: 3086.
واحذر أخي الكريم أن تسلط الشيطان على نفسك باقتراف المعاصي والذنوب والتي من جملتها إطلاق النظر إلى ما حرم الله تعالى، واعلم أن في غض البصر -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- ثلاث فوائد جليلة القدر:
إحداها: حلاوة الإيمان ولذته التي هي أحلى وأطيب مما تركه لله: فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
والثانية: من غض البصر فهو يورث نور القلب والفراسة.. وكان شاه بن شجاع الكرماني لا تخطئ له فراسة وكان يقول: من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وأكل الحلال لم تخطئ له فراسة. والله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله فيطلق نور بصيرته ويفتح عليه باب العلم والمعرفة.
والثالثة: قوة القلب وثباته وشجاعته فيجعل الله له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة فإن الرجل الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله ولهذا يوجد في المتبع هواه من ذل النفس وضعفها ومهانتها ما جعله الله لمن عصاه، وإن الله جعل العزة لمن أطاعه والذلة لمن عصاه. اهـ (بتصرف من كتاب حجاب المرأة المسلمة).
والعاقل لا يمكن أن يسوِّيَ بين شهوة عاجلة منغصة، مع ما يعقبها من ألم البعد عن الله في الدنيا، وما يترتب عليها من حساب في الآخرة، وبين نعيم الجنة وعافية الدنيا وسعادتها.
وقد أشرت -أخي الكريم- في سؤالك إلى عقوبة شديدة وقعت لك وهي ضياع صلاة الفجر، وقد تجمع عليك معها عقوبة دنيوية كعدم التوفيق في الامتحانات، فاتق الله أخي الكريم يجعل لك مخرجا ويرزقك من حيث لا تحتسب، وإياك ومقاربة فتنة النساء فإنها أخاذة، وقد سبق لنا بيان التحذير النبوي البليغ من فتنة النساء في الفتوى رقم:35047. فاصرف نفسك عن تلك الفتاة التي ذكرت، خاصة أنك لا تريد الزواج منها، وأنها لا تناسبك، كما ذكرت، وإن كنت تستطيع الزواج فعجل به، وإلا فعليك بالصوم كما أوصى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم.