الإحسان للجار
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
الإحسان للجارالجار من أقرب الناس مكانًا إلى الفرد، وفي بعض الأوقات له أهمية تفوق القريب أو الأخ الشقيق، وهو عضو فاعل في المجتمع القريب من الفرد، فالمجتمع – عامة - مجموعة من الناس المتجاورين سكنًا، المتواصلين حبًا؛ لذا، خصه الرسول صلى الله عليه وسلم بكثير من الوصايا التي تحرض على الاعتناء به.
أما الضيف فهو كل ما جاء زائرًا من غير أهل بيت الفرد.
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننتُ أنه سيورِّثه"[1].
فمن كثرة وصايا جبريل عليه السلام في حق الجار، ظن الرسول أنه سيورّث الجار.
ولفظ " الجار " عام غير محدد، يشمل القريب والأقرب.
وعن أبي شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن.
قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه"[2].
فقد نفى الإيمان عن الشخص الذي يتوقع جاره غدره، وهذا دلالة على سوء خلق المرء، وسوء سمعته بين الناس.
فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقيس إيمان الفرد بمقياس سلوكي، والمقياس ليس عامًا، بقدر ما هو خاص، وخاص في وجهة نظر الجار فهو أقرب الناس مكانًا، وهو الأكثر اطلاعًا على سلوك الفرد، فلا بد من الإحسان للجار.
ونفس المعيار السلوكي الذي يحكم على إيمان الفرد في أحاديث أخرى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت".
[3]
وهذا الحديث لا يقتصر على الجار فقط، بل يتعدى لكل ما هو إنساني: الضيف، الجار، وكل من يتحدث معه المرء.
إنه حديث التعامل مع المجتمع، المجتمع القريب الذي يقابله المرء في حياته، فالضيف يزور المرء في بيته أو موضع عمله، والجار قريب للمرء مكانًا، ويحدث اللقاء بشكل متكرر، ثم كل من يتكلم معه الفرد في الحياة، كلامًا بسيطًا عاديًا أو على قدر من الأهمية، فالخير لابد أن يكون قاسمًا مشتركًا في الحديث، وإلا الصمت أبلغ.
وفي رواية أخرى: عن أبي شريح العدَويّ قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم النبي صلى الله عليه وسلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته.
قيل: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام.
فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه.
ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فيلقل خيرًا أو ليصمت "[4]
يضيف هذا الحديث جديدًا على الضيف: تحديد جائزة الضيف، بإكرامه واستضافته يوم وليلة إلى ثلاثة أيام، وما زاد لا يدخل في دائرة واجب الضيافة، بل يصبح في دائرة الصدقة والعمل التطوعي.
ليس الضيف المقصود هنا الضيف القريب في السكن، بل الضيف القادم من سفر، ويسكن في مكان بعيد، فالحكم أكثر خصوصية.
إن حرص المصطفى على الاعتناء بالضيف لأن هذا من شيم الأخلاق العليا في بيئة بدوية عنوانها السفر، والعرب يحكون ويمدحون عمن يكرم ضيفه، وما حكايات حاتم الطائي عنا بغريبة.
والأمر بالطبع لا يقتصر على بيئة البدو، فزيارة الضيف شأن إنساني في كل مجتمع، فالحكم بإكرامه يتخذ بعدًا إنسانيًا، مثلما هو الحال مع الجار، ومع كل من يعامله الناس بالحسنى وقول الكلم الطيب.
ومثلما كان هناك تحديد في نوعية الضيف، هناك تحديد في الجار الأولى بالرعاية، إنه الجار الأكثر قربًا، فعن عائشة رضي الله عنها، قلت: يا رسول الله إن لي جارين، فإلي أيهما أهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابًا " [5].
أصبح الأولى هو الجار الأقرب بابًا، لأنه الأكثر اطلاعًا، والأكثر رؤية لنا، سواء كان مسلمًا أو غير مسلم، لو كان مسلمًا فستزداد آصرة المودة معه، وتتدعم بأساس عقدي، ولو كان غير مسلم، فسيحب المسلم الذي أهداه.
[1] صحيح البخاري، ج4، ص94.
وهناك رواية أخرى عن ابن عمر رضي الله عنهما.
[2] صحيح البخاري، ج4، ص94.
[3] صحيح البخاري، ج4، ص94.
[4] صحيح البخاري، ج4، ص95.
[5] صحيح البخاري، ج4، ص95.