عنوان الفتوى : حقيقة العجب وحكمه
كيف نعرف إصابة نفوسنا بالعجب أرجو أن توضحوا لنا ذلك مع تفسير القول ( بأن من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن)، ولكم مني جزيل الشكر ووفقكم الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فحديث: من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن. أخرجه أحمد والطبراني والحاكم، وصححه على شرطهما من حديث أبي موسى، ورواه الطبراني والحاكم وصححه على شرط الشيخين من حديث أبي أمامة ، ذكر ذلك العراقي في تخريجه أحاديث الإحياء. ومعنى الحديث: أن المؤمن هو الذي تسره الحسنة إذا وقعت منه، وتحزنه السيئة إذا صدرت عنه، لأن المنافق حيث لا يؤمن بيوم القيامة، استوت عنده الحسنة والسيئة. وأما العجب، فحقيقته كما قال الغزالي رحمه الله في الإحياء: هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم، فإن انضاف إلى ذلك أن غلب على نفسه أن له عند الله حقا، وأنه منه بمكان حتى يتوقع بعمله كرامة في الدنيا، واستبعد أن يجري عليه مكروه استبعادا يزيد على استبعاده ما يجري على الفساق، سمي هذا إدلالا بالعمل، فكأنه يرى لنفسه على الله دالة. اهـ. والعجب لا يكون إلا بنعمة، ووصف كمالي، وله ثلاث حالات ذكرها الإمام الغزالي في الإحياء، فقال: اعلم أن العجب إنما يكون بوصف هو كمال لا محالة، وللعالم بكمال نفسه في علم وعمل ومال وغيره حالتان: إحداهما: أن يكون خائفا على زواله ومشفقا على تكدره أو سلبه من أصله، فهذا ليس بمعجب. والأخرى أن لا يكون خائفا من زواله، لكن يكون فرحا به من حيث إنه نعمة من الله تعالى عليه لا من حيث إضافته إلى نفسه، وهذا أيضا ليس بمعجب. وله حالة ثالثة هي: العجب وهي أن يكون غير خائف عليه، بل يكون فرحا به مطمئنا إليه، ويكون فرحه به من حيث إنه كمال ونعمة وخير ورفعة، لا من حيث إنه عطية من الله تعالى ونعمة منه، فيكون فرحه من حيث إنه صفته ومنسوب إليه بأنه له لا من حيث إنه منسوب إلى الله تعالى بأنه منه، فمهما غلب على قلبه أنه نعمة من الله مهما شاء سلبها عنه، زال العجب بذلك عن نفسه. وقال: اعلم أن العجب مذموم في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. وقال: اعلم أن آفات العجب كثيرة، فإن العجب يدعو إلى الكبر، لأنه أحد أسبابه، كما ذكرناه، فيتولد من العجب الكبر ومن الكبر الآفات الكثيرة التي لا تخفى، هذا مع العباد، وأما مع الله تعالى، فالعجب يدعو إلى نسيان الذنوب وإهمالها، فبعض ذنوبه لا يذكرها ولا يتفقدها، لظنه أنه مستغنٍ عن تفقدها فينساها، وما يتذكره منها فيستصغره ولا يستعظمه، فلا يجتهد في تداركه وتلاقيه، بل يظن أنه يغفر له. وأما العبادات والأعمال، فإنه يستعظمها ويتبجح بها ويمنُّ على الله بفعلها وينسى نعمة الله عليه بالتوفيق والتمكين منها، ثم إذا عجب بها عمي عن آفاتها. ومن لم يتفقد آفات الأعمال كان أكثر سعيه ضائعا، فإن الأعمال الظاهرة إذا لم تكن خالصة نقية عن الشوائب، قلما تنفع، وإنما يتفقد من يغلب عليه الإشفاق والخوف دون العجب، المعجب يغتر بنفسه وبرأيه ويأمن مكر الله وعذابه، ويظن أنه عند الله بمكان، وأن له عند الله منة وحقا بأعماله التي هي نعمة من عطاياه، ويخرجه العجب إلى أن يثني على نفسه ويحمدها ويزكيها. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 24940. والله أعلم.