عنوان الفتوى : لا يريد أن يجعله الله في الجنة يتمنى بالزواج بأكثر من واحدة
سؤالي قد يكون غريباً نوعاً ما وهو عن نعيم أهل الجنة، نسأل الله أن يجعلنا من أهلها: فكما عرفت بأن أهل الجنة يتزوج أحدهم أقل شيء باثنتين، ولكن إذا كان هناك أحد لا يريد إلا واحدة فقط، بل ولا يريد أن يتمنى أصلاً أكثر من واحدة، يعني لا يريد أن يجعله الله في الجنة يتمنى بالزواج بأكثر من واحدة. ونحن نعرف أن الله يتحكم في كل شيء ومن ذلك الأحاسيس، فلو كان أحد في الدنيا يشعر بأنه لا يتمنى إلا الزواج بواحدة فقط.. فإن الله قادر على أن يبدل شعوره في الآخرة ويجعله يتمنى أكثر من واحدة. وهل يجوز للشخص أن يدعو الله الآن في الدنيا أن لا يجعل له ذلك الإحساس؟ وجزاكم الله خيراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فمما لا شك فيه أن الله تعالى على كل شيء قدير، وأنه عزيز حكيم، وقد أخبرنا الله تعالى عن الجنة فقال: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ. {الزخرف:71}. وقال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. متفق عليه.
فإذا عُلم هذا عُلم أن العبد ينبغي أن يكون اهتمامه بدخول الجنة وعلو درجته فيها، فبهذا ينشغل قلبه ويلهج لسانه، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة... رواه البخاري.
فإن من دخل الجنة نال ما تمنى ووجد ما يشتهي، فلن يشاء فيها شيئاً إلا أعطيه، كما قال تعالى: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ. {النحل:31}.
وسمع سعد بن أبي وقاص ابنا له يدعو يقول: اللهم إني اسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا.. فقال: يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيكون قوم يعتدون في الدعاء. فإياك أن تكون منهم، إنك إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها من الخير، وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر. رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني.
وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الجنة أن لكل واحد منهم زوجتين. رواه الشيخان.
وسبق التنبيه على ذلك في الفتويين رقم: 62696، 70805. فينبغي للعبد أن يحمد الله ويقبل كرامته، ولا يعرض عن نعمته.
والذي يظهر أن الدعاء بخلاف ذلك يدخل في معنى الاعتداء في الدعاء المذكور في حديث سعد السابق، وراجع في معنى الاعتداء في الدعاء الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 45972، 23425، 58303، 111332، 31019.
ونذكر السائل الكريم أن آخر أهل النار خروجاً منها وآخر أهل الجنة دخولاً إليها عندما يؤذن له بدخول الجنة يقول الله تعالى له: تمن. فيتمنى حتى إذا انقطع أمنيته، قال الله عز وجل: من كذا وكذا، أقبل يذكره ربه، حتى إذا انتهت به الأماني، قال الله تعالى: لك ذلك وعشرة أمثاله. متفق عليه.
وهذا من المزيد الموعود به في قوله سبحانه: لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ. {ق:35}. فلا يصح أن يحجر العبد على نفسه ويتكلف ما لا علم له به، فإن ما يتمناه المرء الآن قد لا يكون هو غاية أمنيته في الجنة إن دخلها، وما تقر به عينه وتشتهيه نفسه الآن قد يكون غير ما تقر به عينه وتشتهيه نفسه هنالك، فهذه الدار تختلف عن تلك الدار جملة وتفصيلاً، وليس بينهما اشتراك إلا في الأسماء، فعلى المرء أن يحقق الإيمان بالله تعالى وما يقتضيه ذلك من اعتقاد وقول وعمل، ثم يسأل الله الفردوس الأعلى من الجنة. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 75647.
وأخيراً.. ننبه السائل الكريم على أن يلتمس أدعية القرآن والسنة، ففيها الخير والبركة والكفاية: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك. رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
والله أعلم.