دمشق
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ | وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ |
وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي | جَلالُ الرُزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ |
وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي | إِلَيكِ تَلَفُّتٌ أَبَدًا وَخَفقُ |
وَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ اللَيالي | جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُ |
دَخَلتُكِ وَالأَصيلُ لَهُ اِئتِلاقٌ | وَوَجهُكِ ضاحِكُ القَسَماتِ طَلقُ |
وَتَحتَ جِنانِكِ الأَنهارُ تَجري | وَمِلءُ رُباكِ أَوراقٌ وَوُرْقُ |
وَحَولي فِتيَةٌ غُرٌّ صِباحٌ | لَهُم في الفَضلِ غاياتٌ وَسَبقُ |
عَلى لَهَواتِهِم شُعَراءُ لُسنٌ | وَفي أَعطافِهِم خُطَباءُ شُدقُ |
رُواةُ قَصائِدي فَاعجَب لِشِعرٍ | بِكُلِّ مَحَلَّةٍ يَرويهِ خَلقُ |
غَمَزتُ إِباءَهُمْ حَتّى تَلَظَّتْ | أُنوفُ الأُسدِ وَاضطَرَمَ المَدَقُّ |
وَضَجَّ مِنَ الشَكيمَةِ كُلُّ حُرٍّ | أَبِيٍّ مِن أُمَيَّةَ فيهِ عِتقُ |
لَحاها اللهُ أَنباءً تَوالَتْ | عَلى سَمعِ الوَلِيِّ بِما يَشُقُّ |
يُفَصِّلُها إِلى الدُنيا بَريدٌ | وَيُجمِلُها إِلى الآفاقِ بَرقُ |
تَكادُ لِرَوعَةِ الأَحداثِ فيها | تُخالُ مِنَ الخُرافَةِ وَهيَ صِدقُ |
وَقيلَ مَعالِمُ التاريخِ دُكَّتْ | وَقيلَ أَصابَها تَلَفٌ وَحَرقُ |
أَلَستِ دِمَشقُ لِلإِسلامِ ظِئرًا | وَمُرضِعَةُ الأُبُوَّةِ لا تُعَقُّ |
صَلاحُ الدينِ تاجُكَ لَم يُجَمَّلْ | وَلَمْ يوسَمْ بِأَزيَنَ مِنهُ فَرقُ |
وَكُلُّ حَضارَةٍ في الأَرضِ طالَتْ | لَها مِن سَرحِكِ العُلوِيِّ عِرقُ |
سَماؤُكِ مِن حُلى الماضي كِتابٌ | وَأَرضُكِ مِن حُلى التاريخِ رَقُّ |
بَنَيتِ الدَولَةَ الكُبرى وَمُلكًا | غُبارُ حَضارَتَيهِ لا يُشَقُّ |
لَهُ بِالشامِ أَعلامٌ وَعُرسٌ | بَشائِرُهُ بِأَندَلُسٍ تَدُقُّ |
رُباعُ الخلدِ وَيحَكِ ما دَهاها | أَحَقٌّ أَنَّها دَرَسَت أَحَقُّ |
وَهَل غُرَفُ الجِنانِ مُنَضَّداتٌ | وَهَل لِنَعيمِهِنَّ كَأَمسِ نَسقُ |
وَأَينَ دُمى المَقاصِرِ مِن حِجالٍ | مُهَتَّكَةٍ وَأَستارٍ تُشَقُّ |
بَرَزنَ وَفي نَواحي الأَيكِ نارٌ | وَخَلفَ الأَيكِ أَفراخٌ تُزَقُّ |
إِذا رُمنَ السَلامَةَ مِن طَريقٍ | أَتَت مِن دونِهِ لِلمَوتِ طُرقُ |
بِلَيلٍ لِلقَذائِفِ وَالمَنايا | وَراءَ سَمائِهِ خَطفٌ وَصَعقُ |
إِذا عَصَفَ الحَديدُ احمَرَّ أُفقٌ | عَلى جَنَباتِهِ وَاسوَدَّ أُفقُ |
سَلي مَن راعَ غيدَكِ بَعدَ وَهنٍ | أَبَينَ فُؤادِهِ وَالصَخرِ فَرقُ |
وَلِلمُستَعمِرينَ وَإِن أَلانوا | قُلوبٌ كَالحِجارَةِ لا تَرِقُّ |
رَماكِ بِطَيشِهِ وَرَمى فَرَنسا | أَخو حَربٍ بِهِ صَلَفٌ وَحُمقُ |
إِذاما جاءَهُ طُلّابُ حَقٍّ | يَقولُ عِصابَةٌ خَرَجوا وَشَقّوا |
دَمُ الثُوّارِ تَعرِفُهُ فَرَنسا | وَتَعلَمُ أَنَّهُ نورٌ وَحَقُّ |
جَرى في أَرضِها فيهِ حَياةٌ | كَمُنهَلِّ السَماءِ وَفيهِ رِزقُ |
بِلادٌ ماتَ فِتيَتُها لِتَحيا | وَزالوا دونَ قَومِهِمُ لِيَبقوا |
وَحُرِّرَتِ الشُعوبُ عَلى قَناها | فَكَيفَ عَلى قَناها تُستَرَقُّ |
بَني سورِيَّةَ اطَّرِحوا الأَماني | وَأَلقوا عَنكُمُ الأَحلامَ أَلقوا |
فَمِن خِدَعِ السِياسَةِ أَن تُغَرّوا | بِأَلقابِ الإِمارَةِ وَهيَ رِقُّ |
وَكَمْ صَيَدٍ بَدا لَكَ مِن ذَليلٍ | كَما مالَتْ مِنَ المَصلوبِ عُنقُ |
فُتوقُ المُلكِ تَحدُثُ ثُمَّ تَمضي | وَلا يَمضي لِمُختَلِفينَ فَتقُ |
نَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا | وَلَكِن كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُ |
وَيَجمَعُنا إِذا اختَلَفَت بِلادٌ | بَيانٌ غَيرُ مُختَلِفٍ وَنُطقُ |
وَقَفتُمْ بَينَ مَوتٍ أَو حَياةٍ | فَإِن رُمتُمْ نَعيمَ الدَهرِ فَاشْقَوا |
وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ | يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ |
وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا | إِذا الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا |
وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا | وَلا يُدني الحُقوقَ وَلا يُحِقُّ |
فَفي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ | وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ |
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ | بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ |
جَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشقٍ | وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ |
نَصَرتُمْ يَومَ مِحنَتِهِ أَخاكُمْ | وَكُلُّ أَخٍ بِنَصرِ أَخيهِ حَقُّ |
وَما كانَ الدُروزُ قَبيلَ شَرٍّ | وَإِن أُخِذوا بِما لَم يَستَحِقّوا |
وَلَكِن ذادَةٌ وَقُراةُ ضَيفٍ | كَيَنبوعِ الصَفا خَشُنوا وَرَقُّوا |
لَهُم جَبَلٌ أَشَمُّ لَهُ شَعافٌ | مَوارِدُ في السَحابِ الجُونِ بُلقُ |
لِكُلِّ لَبوءَةٍ وَلِكُلِّ شِبلٍ | نِضالٌ دونَ غايَتِهِ وَرَشقُ |
كَأَنَّ مِنَ السَمَوأَلِ فيهِ شَيئًا | فَكُلُّ جِهاتِهِ شَرَفٌ وَخَلقُ |