اليومَ أَصْعَدُ دونَ قبرِكَ مِنْبَرا
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
اليومَ أَصْعَدُ دونَ قبرِكَ مِنْبَرا | وأُقلِّدُ الدنيا رِثاءَك جَوْهَرَا |
وأَقصُّ مِن شِعري كتابَ محاسنٍ | تتقدم العماء فيه مسطَّرا |
ذكراً لفضلك عندَ مصرَ وأَهلِها | والفضلُ من حُرُماتِه أَن يُذْكَرا |
العلمُ لا يعلي المراتبَ وحده | كم قدم العملُ الرجالَ وأخَّرا |
والعلمُ أَشبهُ بالسماءِ رجالُه | خُلِطَتْ جَهاماً في السحابِ ومُمْطِرا |
طفنا بقبركَ، واستلمنا جندلاً | كالركنِ أَزْكَى ، والحَطيمِ مُطهَّرا |
بين التشرُّفِ والخشوع، كأَنما | نستقبل الحرمَ الشريفَ منورا |
لو أنصفوكَ جنادلاً وصفائحاً | جعلوكَ بالذكر الحكيم مُسَوَّرا |
يا منْ أراني الدهرُ صحة َ ودِّه | والودُّ في الدنيا حديثٌ مفترى |
وسمعتُ بالخُلُقِ العظيمِ رواية ً | فأراني الخلقَ العظيمَ مصَّورا |
ماذا لقيتَ من الرُّقاد وطوله؟ | أَنا فيك أَلقى لوعة ً وتحسُّرا |
نمْ ما بدا لك آمناً في منزلٍ | الدهرُ أَقصرُ فيه من سِنَة ِ الكرَى |
ما زلتَ في حمد الفراشِ وذمِّه | حتى لقيتَ به الفِراشَ الأَوْثرا |
لا تَشكُوَنّ الضُّرَّ من حشراته | حشراتُ هذا الناسِ أَقبحُ مَنظرا |
يا سيّدَ النادي وحاملَ همِّه | خلَّفته تحت الرزية موقرا |
شهدَ الأعادي كم سهرتْ لمجده | وغدَوْتَ في طلب المزيد مُشمِّرا |
وكم اتَّقيْتَ الكَيْدَ واستدفعْته | ورميتَ عدوانَ الظنونِ فأقصرا |
ولَبِثْتَ عن حَوْضِ الشَّبيبة ذائداً | حتى جزاكَ الله عنه الكَوْثرا |
شبانُ مصرَ حيالَ قبركَ خشعٌ | لا يملكون سوى مدامعهم قِرى |
جمعَ الأسى لك جمعهم في واحدٍ | كان الشبابَ الواجدَ المستعبرا |
لولاك ما عرفوا التعاون بينهم | فيما يسُرُّ، ولا على ما كدَّرا |
حيث التفتَّ رأيتَ حولكَ منهمُ | آثارَ إحسانٍ وغرساً مثمراً |
كم منطقٍ لك في البلاد وحكمة ٍ | والعقلُ بينهما يُباع ويُشْترَى |
تمشي إلى الأَكواخ تُرشِد أَهلَها | مشيَ الحواريينَ يهدون القرى |
متواضعاً لله بينَ عباده | واللهُ يبغض عبده المتكبرا |
لم تدرِ نفسك: ما الغرور؟ وطالما | دخل الغُرورُ على الكبار فصغّرا |
في كلِّ ناحية ٍ تَخُطُّ نِقابة ً | فيها حياة ُ أَخي الزراعة ِ لو دَرَى |
هي كيمياؤكَ، لا خرافة ُ جابرٍ | تذرُ المقلَّ من الجماعة مكثرا |
والماُ لا تجني ثمارَ رؤوسه | حتى يصيبَ من الرؤوس مُدَبِّرا |
والملكُ بالأموالِ أمنعُ جانباً | وأَعزُّ سلطاناً، وأَصدقُ مَظهرا |
إنا لفي زمنٍ سِفاهُ شعوبِه | في ملكهم كالمرءِ في بيت الكرا |
أسواكَ من أهل المبادىء ِ منْ دعا | للجدِّ، أو جمعَ القلوب النُّفَّرا؟ |
الموتُ قبلك في البرية لم يهبْ | طڑه الأَمين، ولا يسوع الخيِّرا |
لما دعيتُ أتيتُ انثرُ مدمعي | ولو استطعت نثرتُ جفني في الثرى |
أبكي يمينك في التراب غمامة | والصدرَ بحراً، والفوادَ غضنفرا |
لم أُعْطَ عنك تَصَبُّراً، وأَنا الذي | عزَّيتُ فيك عن الأمير المعشرا |
أزنُ الرجالَ، ولي يراعٌ طالما | خلع الثناءَ على الكرامِ محبَّرا |
بالأمسِ أرسلتُ الرثاءَ ممسكاً | واليومَ أَهتِفُ بالثناءِ مُعَنْبَرا |
غيَّرْتَني حزناً، وغيَّرك البِلَى | وهواك يأْبَى في الفؤاد تغيُّرا |
فعليّ حفظُ العهد حتى نلتقي | وعليك أَن ترعاه حتى نُحشَرا |