تحت العرش
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ذرونى ذروا لى كلَّ أمسٍ قدِ اندثَرْ | وما الأمسُ انى لا أَعى كيفَ قَدغَبَرْ |
وهل تَعلم الأَيامُ أَنى أَعيشُها | وكيفَ مضى الماضى على ظهرها عَبَرْ |
فلا تطلبونى إننى تُهتُ في المَدى | أُفَتِّشُ نفسى في فضاءٍ قدِ انتَشَرْ |
تناثرَ فيهِ الحُزنُ من كلِّ تائِهٍ | وأَينعَ فيهِ البؤسُ واْسطَالَ واْشمخَرْ |
ومالى وما مالى أيا نفسُ فاْجزَعى | وآهٍ ..وما الآهاتُ في موكبِ العُصُرْ |
طريدٌ أنا يا نفسُ من كل مَحفَلٍ | قريبُ أنا يا نفسُ من مقدِسِ الفِكَرْ |
*** | |
وقد عذَّبتنى في الدياجى خَواطرٌ | فمالى أَسومُ النفسَ في موطنِ الخَطَرْ |
ومالي أَنامُ الليلَ والليلُ ماكِرٌ | فكم أَهلكَ الأرواحَ في هَدأةِ السَّحَرْ |
وماليَ أَلهُوْ وادِعاً رأَدَ الضحى | وهذا الضحى كم بَزَّ نفساً وكم غَدَرْ |
وما اليومُ ؟ إنى لستُ أَملِكُ أَمرَهُ | وفيه انطَوى مَوتٌ ذؤامٌ قدِ استَتَرْ |
فيا نفسُ طِيرى حيثُ لا الحيثُ كائِنٌ | ويا نفسُ كونى حَيثُ لازَمَنٌ يَمُرْ |
فإنْ نَسبوا عمرى لِما كانَ قَدْ مَضَى | فكيفَ يكونُ المَرءُ أمساً قد انتحرْ |
وإنْ قِيلَ إنَّ العُمْرَ ما سأَعيشُهُ | فكيفَ يكونُ المرءُ منظومةَ القَدَرْ |
وقد خَوَّفُونى من حُتوفٍ تأَجَّلَتْ | وما الحتفُ ما الآجالُ في مُعجمِ العِبَرْ |
فإن ماتَتِ الأعضاءُ فالروح حيةٌ | تجوبُ فِجاجَ الكوْنِ تُمْعِنُ فِي سَفرْ |
وما العمرُ إلا ومضةٌ في رُؤى امرئٍ | يَعيشُ يَسيراً ثم يَسْهُو فيندَثِرْ |
فلن يُفلِتَ الموتُ شُجاعاً وعالِماً | ولن يُفلِتَ الموتُ جَباناً على حَذَرْ |
*** | |
حقيقٌ على الإنسانِ أنهُ جَاهِلٌ | جرئٌ على الآراءِ في كلِّ مؤتَمَرْ |
وحتى معانى الجهلِ لم يَدرِ كنهها | جَهولٌ بجهلٍ يخلطُ الأَصلَ بالصوَرْ |
فمهلاً بنى الإنسانِ في كل مَحفَلٍ | فَما أنتمُ للزهوِ أَهلٌ ولا الفَخَرْ |
أَيفخرُ من لمْ يدرِ ما كُنهَ نفسهِ | ومن باتَ يخشى مشفِقاً صفعةَ الوَطرْ |
فيا عقلُ لا تَقدحْ زِناداً تبلَّلَتْ | ويا قلبُ لا تبرحْ مكانَكَ وانتظِرْ |
ففي طبقاتِ الغيبِ علمٌ وَهيبةٌ | وبين مجالي العرشِ قد سَبَّحَ الحَجَرْ |
فهل مِن دِنانِ الغيبِ فاضتْ مَناهِلٌ | لتروي بني الإنسانِ في مَهْمَهِ الضرَرْ |
أحَىٌّ أنا قبلَ المَمَاتِ فأَرتوى | أَمْ انيَ حَىٌّ بعدَ موتِى فأصطَبِرْ |
وَهلْ من يَقينٍ أنَّنى في ذُرى السماْ | مَشَيتُ .وَهَلْ فى الأَرضِ إنى مَعَ البَشَرْ |
*** | |
ذَرُوا لى فُؤادى إننى تُهتُ في المَدَى | أُطارِدُ قَلباً مُدلجِاً.. في السماءِ فَرْ |
هناكَ يُصلِّى بَلْ هُنَا .. بَلْ هُنَالِكَ | هُنا لا زمانٌ ..لا مكانٌ ..ولا أَثرْ |
وَفى حُجُبِ الآفاقِ لىْ كُلُّ مَلْجَأٍ | أَتُوهُ بها طَوْراً ..وَطَوْراً أَرى القَمَرْ |
فَكُلُّ عُلُومي أَنَّنى جِئتُ صارِخاً | وُلِدْتُّ فقالوا أَنْجَبَتْ أُختُنا ذَكَرْ |
فيا عَقلُ لا تَقْدَحْ زِناداً تبلَّلَتْ | ويا قلبُ لا تبرحْ مكانَكَ واْنتَظِرْ |