أرشيف الشعر العربي

عَلى ذَروَةٍ بَينَ أَطلالِ صُور

عَلى ذَروَةٍ بَينَ أَطلالِ صُور

مدة قراءة القصيدة : دقيقتان .
عَلى ذَروَةٍ بَينَ أَطلالِ صُور يُحيطُ بِها شَجَرٌ وَصُخور

يَقومُ بِناءٌ كَعُشِّ النُسور

بِناءٌ يَرى العابِرونَ عَلَيه نَباتاً تَرامى عَلى جانِبَيه

فَغَطّى بِعَوَسجِهِ سُدفَتَيه

كَرَمسٍ قَديمٍ لَمينٍ وَزور تَكَلَّلَ بِالشَوكِ لا بِالزُهور
طَلاهُ الظَلامُ بِلَون دُجاه لِكَثرَة ما لامَستهُ خُطاه

وَمَرَّ عَلَيه الضِيا فَطَلاه

كَأَنّي بِهِ بُرجُ جِنٍّ وَحور تَرَدَّدَ بَين ظِلامٍ وَنور
إِذا النورُ لَوَّنَهُ في السَحَر وَمَدَّ عَلَيهِ ظِلالَ الحَوَر

تَراءى كَطَيفٍ خِلالَ الشَجَر

أَتى من دَياميسِه لِيَزور بَقايا ذَراريِّ تِلكَ البُدور
وَحينَ يَسيلُ اصفِرارُ المَغيب عَلى جانِبَيه بِشَكلٍ كَئيب

يَبينُ كَهَيكَل عَظمٍ مُريب

أَبى أَن تُوَسِّدَهُ في القُبورِ غَداةَ تَمرَّدَ أَيدي الدُهور
بِناءٌ تُزَنِّرُ أَسوارَهُ خَرائبُ تَعرِفُ أَسرارَهُ

فَقَد عاشَت الدَهرَ سُمّارَهُ

فَأَصغِ لِنَسأَلَ عَنهُ الصُخور أَلِلحُبِّ شُيِّدَ أَم لِلشُرور
أَيا سائِلَ الصَخرِ عَن جارِهِ دَعِ الصَخرَ يَنطِق بِأَخبارِهِ

فَلَيسَ ضَنيناً بِاِسرارِهِ

بَناهُ الجَلالُ وَشَيَّدَ مَجدَه وَقد كانَ عَهدُ الجَبابِر عَهدَه

وَكان الزَمانُ المسوَّدُ عَبدَه

تُنارُ اللَيالي بِأَنوارِهِ وَتُزهى بِأَعيادِ سُمّارِه
بَنَتهُ يَدُ الفاتِحينَ الأُلى أَهابوا بِفينيقيا لِلعُلى

فَأَمسى بِهِم شَعبُها الأَوَّلا

يَقودُ الزَمانَ بِأَبصارِهِ وَيُسجِدُهُ تَحتَ أَسوارِهِ
وَكانَت أَميرَتُهُ يَومَ كان أَميرَ القُصورِ بِذاكَ الزَمان

كَحورِيَّةٍ مِن عَذارى الجِنان

مُعَطَّرَةٍ مِثلَ أِشجارِهِ بِدُهنِ اللبان وَأَسحارِهِ
وَهَبَّت عَلى القَصر ريحٌ سَموم ذَرَت مِنهُ أَنوارَ تِلكَ النُجوم

كَما ذَرَتِ النارُ شَعبَ سَدوم

وَلم يَبقَ من مَجد آثارِهِ سِوى غُرفاتٍ لتِذكارِهِ
تَرى البومَ يَخلفُ أَربابَها وَيَقتَحِمُ النَتنُ أَبوابَها

وَيَفتَرِشُ السوسُ أَخشابَها

كَشَعيبٍ تَخَلّى لأَشرارِهِ فَقامَ الدَمارُ لإِنذارِهِ
لَقَد سَلَّطت فُوَّهاتُ الجَحيم عَلى صورَ ناراً وَسَخطاً عَظيم

كَنارِ يَهوذا وَأُورشَليم

وَأَبقى الزَمانُ بِأَسفارِهِ من المَجدِ ذِكرى لِزُوّارِهِ
تَأَمَّل تَأَمَّل بِروحكَ زُهدَه وَكَيفَ تُبيدُ صُروفُ اللَيالي
أَميرَ القُصورِ وَنَترك بَعدَه بَقايا من الغُرَفاتِ خَوالي

خَواليَ لَولا الحَبيبَةُ وَرده

اخترنا لك قصائد أخرى للشاعر (الياس أبو شبكة) .

حَبيبي عَلى هذِهِ الرابِيَه

بَينَ تِلكَ الرُبى وَذاكَ الوَردِ

كانَ شَفيقٌ لم يَزَل مُختَلي

كَيفَ حالُ المَريضِ ماذا جَرى لَهُ

أَلا تبصرُ الأَغصانَ بلَّلها القطرُ


ساهم - قرآن ٣