أَلا تبصرُ الأَغصانَ بلَّلها القطرُ
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أَلا تبصرُ الأَغصانَ بلَّلها القطرُ | فَمالَت سَكارى لا رَحيقَ وَلا خَمرُ |
أَطَلَّت عَذارى الشِعر من فُرَجاتِها | لَها من بَنانِ العِشبِ أَقلامُها الخضرُ |
أَطَلَّت وَكانَت هاجِعاتٍ عُيونُها | يُذَوَّبُ في أَحلامِها ذلِك السحرُ |
كَأَنَّ نِداءً من صَديقٍ أَفاقَها | فَهَبَّت وَفي سيمائِها يَبسَمُ البَشرُ |
وَلمّا رَأَتهُ حَدَّقَت في جَبينِه | فَأَبصَرَتِ التِذكارَ آلمهُ الهَجرُ |
وَلم تَقوَ عَن مَسكِ الدُموعِ فَأَسبَلَت | عَلى خَدِّها الوَردِيِّ أَدمُعُها الحُمرُ |
خَليلُ وَفي تُرب البِلادِ شَهادَة | هِيَ المَجدُ باقٍ في بِلادِكَ وَالفَخرُ |
أَجِل مُقلَةَ الإِلهامِ في عَرَصاتها | تَجد أَثرَ الأَفراخِ يا أَيُّها النِسرُ |
هيَ الأُسدُ حالُ الصَمتُ دونَ زَئيرها | فَسالَت مَآقيها وَلَيسَ لَها زأرُ |
لَئِن جَنحت أَرواحها عَن لبانَةٍ | فَما جُنح المَجدُ المُخَلِّدُ وَالذِكرُ |
بِلادُك هذي يا خَليلُ فَإِنَّها | حَليلَتُك الأولى إِذا فَخرت مِصرُ |
فَمن مائِها رَوَّيتَ شعرَك رَيِّقاً | وَفي رَوضِها شَبَّت قَصيدَتُك البكرُ |
هُنا تَحت هذا الأَرزُ تَحتَ جلالِه | وَتَحت غُصونٍ قَد تَقَيَّأها الدَهرُ |
سَجَدَت خُشوع القَلب في ريِّق الصبا | تُناجي لهاثَ الأَنبِياءِ وَقَد مَرّوا |
فَكَم وَقفَةٍ في بَعَلبَكَّ وَقفَتَها | تُراقِب مَسرى البَدر تتبِعُه الزُهرُ |
كَمَوكِب جِنٍّ قَد أَطَلَّ من الفَضا | لِيَشهَدَ أَطلالَ الرَدى وَبِهِ ذُعرُ |
أَما بعلبكُّ اليَومَ كَالأَمسِ زِخرها | يكلِّلُها في كُلِّ دارِسَةٍ زخرُ |
أَما بَرِحت في لُبَّةِ المَجدِ زَهرَةً | يُقَبِّلُها التاريخُ وَهيَ لهُ فَجرُ |
فَما تلكمُ الأَنقاضُ إِلّا حَوادِثٌ | عَلى جَبهَةِ الأَيّامِ سَطَّرَها السِرُّ |
وَما الهَبواتُ السودُ في جنباتِها | سِوى عَبر الأَزمانِ تَلفَظها الجُدرُ |
أَلا فَاِنفَضِ الأَيّامَ عَنها بِفِكرةٍ | هِيَ النورُ من زَيتِ النُبُوَّةِ وَالشعرُ |
لِتُطلِعَ جوبيتارَها فَهو رابِضٌ | كنيرون لكِن لَيسَ في صَدرِهِ غدرُ |
وَكم وَقفَةٍ في رُبعِ زَحلَةَ أَطلَعَت | عَلَيكَ قَريضاً دونَهُ الماسُ وَالتبرُ |
فَتنثُرُهُ في الكرمِ طوراً وَتارَةً | عَلى هَضَبِ الوادي يُشَتِّتهُ النَثرُ |
وَفي قُطر مِصرٍ كَم تَذَكَّرتَ زَحلَةً | فَأَبكاكَ بردونيَّها ذلِكَ القُطرُ |
لَدُن كُنتَ مع صَنوٍ صَغير مغنجٍ | لهُ طَلعَةٌ حَسناءُ يَغبَطُها البَدرُ |
لَدُن كنتَ طِفلاً وَالحَبيبَةُ طِفلَةً | حَوالَيكُما حبٌّ وَبَينَكُما إِصرُ |
وَنَكهَة عودِ المندَلِيِّ شَذِيَّة | عَلى ضِفَّةِ النَهرِ الجَميلِ لَها نَشرُ |
فَزَحلَة ما زالَت وَما زالَ نَهرُها | فَذاكَ هُوَ الوادي وَذاكَ هوَ النَهرُ |
فَأَنشَدكما أَنشَدت في سُحرة الهَوى | فَمن ذِكرياتِ الأَمسِ في زَحلة شطرُ |