حَلِمتُ بِدُنيا لَيتَها لا تَبدَّدُ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
حَلِمتُ بِدُنيا لَيتَها لا تَبدَّدُ | لَذائِذُ أَحلامي وَلا كانَ لي غُدُ |
أَظُنُّ بِإِنشادي عَلى الناسِ سِحرَها | وَهَل في الوَرى أُذُنٌ إِذا قمتُ أُنشدُ |
وَأُوقظتُ مَذعوراً إِلى شَرِّ هاجِسٍ | كَأَنِّيَ روح في جُثامٍ مُشَرَّدُ |
نُفيقُ من الحُلمِ الشَهِيِّ إِلى رُؤىً | كَوابيس في يَقظاتُها تَتَسَرَّدُ |
قَرَأتُ عَلَيهِ أَحرُفاً خَطَّها اللَظى | يَروعُك مِنها اِثنان سجنٌ مُؤَبَّدُ |
فَطَوَّفتُ في عُمرٍ مِن اللَيلِ وَالخنا | يعربد وَالأَرجاسِ ترغي وَتُزبدُ |
وَلِلحَمَأ الغالي نَشيشٌ وَرَغوَةٌ | كَأَنَّ الوَرى مُستَنقَعٌ يَتَنَهَّدُ |
وَأَغمَدتُ في صُلبِ الدَجِنَّةِ ناظِري | وَفي كُلِّ جَفنٍ لي من الهَدبِ مبردُ |
فَأَبصَرتُ أَطباقاً تُعَمِّدها يَدٌ | أَصابِع من عَظمٍ وَتصبغُها يَدُ |
وَشاهَدتُ في الأَطباقِ مُفسِدَةَ الوَرى | تَمورُ بِها الديدانُ سُكرى تعربدُ |
مقاذِرُ تَمشي في الحَياةِ طُروبَةً | تُغَنّي وَأَصداءُ القبور تُرَدَّدُ |
هُمُ الناسُ في الدُنيا تهاويلُ حُنِّطَت | بَكيتُ عَلَيهِم في جَحيمي وَعَيَّدوا |
وَما هذِهِ الدُنيا يذرّي رَمادُها | لِريح الفَنا إِلا جَحيمٌ مرمَّدُ |
تَلاشَت بِهِ النيرانُ غَير بَقِيَّةٍ | تَشبُّ لَها في شَهوَةِ الطينِ موقدُ |
فَفي طبق مُستَنقَعٌ في صَقيعِهِ | نمت حشراتٌ فاجراتٌ تَوَقَّدُ |
نِساءٌ أَقَلَّت في الصُدورِ مراضعاً | عَلى فَمها الوَردِيِّ لِلإِثمِ موردُ |
عواهِرُ أَفنَت في الفُجورِ شَبابِها | فَما روحُها إِلّا عَجوز تَقوُّدُ |
مَراضِعُها فَطساءُ فَهيَ ضَفادِعٌ | عَلى ما بِها مِن شَهوَة النارِ تَجلِدُ |
وَداعاً عَذارى الحُبُّ في خِيَم الهَوى | جَمالُكِ مَحظور وَعدنكِ مَوصَدُ |
فَقَدتُكِ حَتّى في أَغانيَ مَزهري | وَكانَ لِشِعري مِنكِ ما يَتَجَوَّدُ |
أَلا أَغلِقي الفِردوس في وَجه شاعِر | يضمُّ طَنابير الجَحيم وَيُنشِدُ |
لَئِن تَكُ نارُ البَغضِ تَلظى بِعَينِه | فَفي قَلبِهِ النُوّار لِلحُبِّ مزودُ |
يحسُّ فَراديس الحَياةِ بِروحِهِ | وَليسَ يَرى إِلا جَحيماً يُهَدِّدُ |
كَما يَثبتُ الصَفصافُ في عاصِفِ الدُجى | وَلِلأُفقِ وَجه هابِط الغيمِ أَربَدُ |
وَلِلرّيحِ في الغاباتِ زعق كَأَنَّهُ | صَدى الجِنّ في وادي الجَحيم يزغردُ |
كَذلكَ يَبقى في دُجى النَفس ثابِتاً | جَمالٌ لَهُ في قُبَّةِ النَفسِ فَرقَدُ |
وَفي طَبَق وادٍ تكدَّر ماؤُهُ | فَلا عشبَة تَنمو وَلا غُصنَ يُنقَدُ |
وَلا تَسمَعُ الأَرواح في شَعَفاتِه | خَلِيّاً يُغني أَو هزاراً يُغَرِّدُ |
فَثِمَّة جرذانٌ تَرى النورَ آفَة | فَتُؤثِرُ أوجارَ الظَلامِ وَتلبدُ |
مُلوكٌ يُقاضونَ النُفوسَ إِلى السَما | وَيَنهي بِأَيديهِم ضَميرٌ مدوّدُ |
عَلى فَمِهم سَفر السَماواتِ مُشرَعٌ | وَفي روحِهِم سَيفُ الجَحيمِ مُجَرَّدُ |
إِذا ما لحاهُم مُؤمِنٌ فَهو فاجِر | وَإِن نَدَّ من أَغلالِهِم فَهو ملحدُ |
وَثَمَّ خَفافيشٌ مَواليدُ بُؤرَة | إِذا غارَ فيها سَيِّدٌ بان سَيِّدُ |
سَلاطينُ حُفَّت بِالسِياطِ عُروشُهُم | فَسَيِّدُهُم هولَ الصَعاليكُ مجلدُ |
تَرى مِنهُمُ العاتي يَقيء نخاعَه | صَباغاً عَلى شَسع الغُزاةِ وَيسجدُ |
وَثَمَّ جَراداتٌ عطاشٌ غَوارِث | ينكِّرها وَهجُ الجناحِ فَتَمردُ |
محبَّرة الأَردان مَفجوعَة الحَشا | تَوابيتَ يُطليها لُجين وَعسجدُ |
لَها في مَقاصير السَماء مَطامِحٌ | وَلَيسَ لَها في مَسلَكَ الجَوِّ مُقودُ |
تفرَّش فيه وُقَّحُ الوَجهِ وَالسَما | لِأنسرها لا لِلصَّراصيرِ مصعدُ |
قَياصِرَةٌ عور المَلاحِم زُيِّفَت | يَواقيت في تيجانِهِم وَزُمرُّد |
مَجانينُ تستافُ البلى من خَيالَهم | يُناط بِهِم مِن نَسلِ عَبقَرَ سُؤددُ |
مَواليدُ فِردَوسٍ أَراغوا نُفوسَهُم | فَلَم يَبقَ لِلوِجدانِ فَيهِنَّ مولدُ |
عَذيرُكَ مِن نورِ الفَراديسِ عَبقَرُ | وَمغناكَ في مِتنِ السماكِ مُشَيَّدُ |
وَتُشعل في عَينَيكَ نارٌ نَقِيَّة | بِمَقدَسِها طيف السَماءِ مجسَّدُ |
وَصدغُكَ مَدهونٌ بزيت مطهَّر | وَبِالبَلسَمِ الشافي هَواكَ مضمَّدُ |
رَأَيتُكَ تَمشي في المَساخِر شاعِراً | وَتاجُك مَحطوم عَلَيك مكَمَّدُ |
وَروحُكَ مَمسوخ وَنورُكَ ذاهِلٌ | وَشِعرُكَ بِالغَلِّ الدَنيءِ مصفَّدُ |
وَشاهَدتُ أَشباحَ السَماءِ كَئيبَةً | عَلَيكَ بِأَسواطِ الأَراجيفِ تُطرَدُ |
فَفيمَ أَزغتَ النَفسَ عَن نَهج قدسها | فَصارَت مغاراً سافِلاً وَهيَ معبدُ |