مَضَت أَشهُرٌ نُذِرَت لِلمَطَر
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
مَضَت أَشهُرٌ نُذِرَت لِلمَطَر | وأظلم فيها المسا وَالسَحَر |
وَأَقبَلَ نُوّارُ عُرسُ الطَبيعَةِ | يَضحَكُ في وَرَقاتٍ الشَجَر |
يُدَغدِغُ بِالطَلِّ عُشبَ الحُقولِ | وَيطبع أَلوانه في الزَهَر |
وَيَبني عَلى الهَضَباتِ مَتاحِفَ | تَسخَرُ من هَذَيانِ البَشَر |
كَأَنَّ عَباقِرَةَ الجِنِّ فيها | سَكَنَّ وَعَلَّقنَ تِلكَ الصُوَر |
فَخَفَّ الشَبابُ نَدِيَّ الحَياةِ | يَستَقبِلُ الحُلُمَ المُنتَظَر |
عَلى ثَغرِهِ بَسَماتُ الرَبيعِ | وَفي قَلبِهِ بَسَماتٌ أُخَر |
وَفي يَومِ عيدٍ نقيِّ السَماءِ | كَأَنَّ السَما صَفحَةٌ من سُوَر |
أُطلَّ شَفيقٌ عَلى الهَضَباتِ | فَراءَ الشَبابَ عَلَيها اِنتَشَر |
وَأَبصَرَ غَلواءَ بَينَ الزُهورِ | كَحَوّاءَ بَينَ شَهيِّ الثَمَر |
تُسَرِّحُ في عَدنِها نَظَراتٍ | عَرَفنَ أَزاهيرَ خَيرٍ وَشَر |
وَقَد لَبِسَت ثَوبَها الزَنبَقِيَّ | عَلَيهِ نَسيجٌ بِلَونِ الخِضَر |
وَأَلقَت عَلى العُشبِ جِسماً هَزيلاً | كَغُصنٍ من الياسمين اِنكَسَر |
فَخَفَّ اِلَيها وَفيهِ عَذابٌ | بَدا مِنه في مُقلَيته أَثَر |
وَقالَ لَقَد خَلَعَ الحَقلُ عَنهُ | رداءَ الشِتاء وَغطّى الحَجَر |
وَأَلقى عَلَيه الرَبيعُ وِشاحاً | جَمالُ الطَبيعَةِ فيهِ انحَصَر |
فَهلّا خَلَعتِ رداءَ اللَيالي | وَأَلبَستِ روحَكِ ثَوبَ البُكَر |
وَهَلّا تَشَبَّهتِ بِالياسِمين | فَما كادَ يُحجبُ حَتّى ظَهَر |
لَقَد غَسَلَت بَسَماتُ الزُهورِ | ذُنوبَ الشِتاء الكَفيفِ البَصَر |
وَعادَ العَفافُ الى الهَضَباتِ | فَفي كُلِّ غَرسٍ فُؤادٌ غَفَر |
فَقالَت أُحاوِلُ أَن أَتَناسى | زَماناً مَضى وَخَيالاً عَبَر |
فَقالَ وَماذا يُمَثِّلُ هذا الخَيالُ | فَقالَت غَراماً عَثَر |
فَقالَ وَقد جَحَظَت مُقلَتاهُ | وَهذا فَقالَت حَبيباً غَدَر |
وَهذا الحَبيبُ غَفَرتُ لَهُ | وَيَعفو إِلهُك عَمّا بَدَر |
غَفَرتُ كَما غَفَرت في الرَبيعِ | زُهورُ الرُبى لِشتاءٍ كَفَر |
وَلكِنَّ بي نَدَماً كَاللَّهيبِ | يُريني الحَياةَ خِلافَ الشَرَر |
وَكان النَسيمُ يَهزُّ الغُصونَ | فَتنشرُ في الجَوِّ عِطرَ الزُهور |
وَلَمّا أَفقنَ اِعتَرَفنَ بِها | وَقد هَزَّهُنَّ الضَميرُ الطَهور |
وَكان المَساءُ عَلى الهَضَباتِ | يَنفِثُ أَشباحَهُ في فُتور |
وَشَمسُ المَغيب تُعيرُ الظِلالَ | أَلوانَها في مَطاوي الصُخور |
فَقالَ شَفيقٌ وَفي قَلبه | رَجاءٌ يَموتُ وَحبٌّ يَثور |
عَشِقتكِ يا غَلوَ عِشقاً نَما | شَقيَّ الرؤى في شَواطىءِ صُور |
وَكنتِ من الداءِ في نَشوَةٍ | تُريكِ الحَياةَ ظَلاماً وَنور |
جَهِلتِ الهَوى فَنَكَرتِ الرَبيعَ | وَقد تَنكُرينَ نُمُوَّ البُذور |
وَمَن لَم يُقَدَّر له أَن يَشمَّ | يَنكر حَتّى أَريجَ العُطور |
فَقالَت صَدَقتَ وَلكِنَّني | أُحِسُّ بِقَلبي جَفافَ الجُذور |
فَأَنتَ تَرى في الرَبيع الجَمالَ | وَأُبصِرُ اَزهارَهُ كَالبُثور |
وَتُبصِرُ في الزَهرِ لَونَ الحَياةِ | وَأُبصِرُ في الزَهرِ لَونَ القُبور |