كانَ شَفيقٌ لم يَزَل مُختَلي
كانَ شَفيقٌ لم يَزَل مُختَلي | في الجِهَةِ اليُسرى من الهَيكَلِ |
مُفَكِّراً في حُبِّهِ المُقفَلِ | |
يُسائِلُ القَلبَ فَلا يَنطِقُ | وَالقَلبُ سِرٌّ في الهَوى يَخفِقُ |
فَمذ رَأى فُلَّتَهُ الذاوِيَه | غَلواءَ ذاتَ الكبدِ الدامِيه |
باقِيَةً تَضرَعُ في الزاوِيَه | |
قالَ أَفِق يا حُبُّ من هَجعِتك | فَسيِّدُ الآلامِ في بيعَتِك |
أَحبَّ حَتّى مريَمَ الزانِيَه | |
ثُمَّ دَنا مِنها وَفي مُقلَتِه | دَمعٌ يَطوفُ الحُبُّ في مَوجَتِه |
كَحِطمَةٍ تُقذَفُ من مُهجَتِه | |
فَاِنتَفَضَت غَلواءُ من ذُعرِها | وَثارَت الأَنفاسُ في صَدرِها |
كَأَنَّها البُركانُ في ثَورَتِه | |
فَقالَ عَفواءً هذِهِ أَدمُعي | تَشفَعُ يا غَلواءُ بي فَاِشفَعي |
قَطَرتُها من قَلبِيَ الموجِعِ | |
تَحمِلُ موجاتِها من دَمي | حَديثَ حُبٍّ لَم يَرِد من فَمِ |
وَلم يَقَع مِن قَبلُ في مِسمَعِ | |
أَمامَ هذا الهَيكَلِ الأَطهَرِ | أَمامَ عَينِ البائِسِ الأَكبَرِ |
أَمام شَمعِ المَعبَدِ الأَصفَرِ | |
وَهذِهِ الأَشِعَّةِ الذائِبَه | من فِلذَةِ الغَزالَةِ الشاحِبَه |
عَلى رُخامِ المَذبَح النَيِّر | |
أَمام أَوجاعي أَمامَ الأَلَم | أَمام هذا الضُعفِ هذا السَقَم |
وَهذِهِ العَينِ الَّتي لَم تَنَم | |
أَطرَحُ قَلبي لِلهَوى مجمَرَه | فَغَمغَمَت غَلواءُ ما اكفَرَه |
هذا الهَوى يَمضي وَيَأتي النَدَم | |
وَحَدَّقَت حيناً إِلى المَغرَمِ | وَقَلبُها في صَدرها المظلِمِ |
يَمشي من الآلامِ في مَأتمِ | |
ثمَّ أَمالَت عَينها الساهِيَه | عن عَينه الكَئيبَة الباكِيَه |
وَاستَغرَقَت في حُلمٍ مُبهَمِ | |
فَقالَ لا لا تُعرِضي فَالشَقا | أَرادَ يا غَلواءُ أَن أُخلَقا |
أَن أَعرِفَ الحُبَّ وَأَن اعشَقا | |
فَأَيُّ سِرٍّ في دُجاكِ استَتَر | تُفشيهِ عَيناكِ لِهذي الصُوَر |
وَعن فُؤادي لَم يَزَل مُغلَقا | |
وَلَم يَكَد يَصمُتُ حَتّى سَجَد | قُدسُ الهَوى ما ذَلَّ فيه أَحد |
كَأَنَّ في مُقلَتها هَيكَلَه | يَرى عَلَيهِ سَيِّدَ الجَلجَله |
يَفتَحُ لِلحُبِّ جِراحاً جُدَد | |
وَقالَ غَلواءُ هنا مَعبَدي | في صَدرِك المُنطَفىءِ الموقَدِ |
وَعَينكِ الغَرقى بِبَحرِ الغَدِ | |
وَصادَفَت مُقلَتُهُ المَذبحا | عَلَيهِ ذَيلٌ من شُعاعِ الضُحى |
وَصورَةَ العَذرا فَقالَ اِشهَدي | |
قالَ اِشهَدي إِنَّ الهَوى يَشهَدُ | يا صورَةً لِمَريَمٍ تُعبَدُ |
يا مَوقِداً لِلحُبِّ لا يَحمَدُ | |
الحُبُّ نيرانٌ تُنيرُ السَما | فَتُرسِلُ النورَ لنا كُلَّما |
حانَ مع اللَهِ لنا مَوعِدُ | |
أَشِعَّةٌ من مُقلَةِ الخالِقِ | تَذوبُ في الاِكبادِ من حالِقِ |
فَتَمزُجُ الخالِقَ بِالعاشِق | |
وَاللَهُ ما أَبدَعَ قَلبَ البَشَر | حَتّى يَظَلَّ خامِداً كَالحَجَر |
فَالنارُ في عُنصُرِهِ الخافِق | |
قالَ لَها قَلبُكِ ما أَفجَعَه | أَلِلَّهَ ما أَقساهُ ما أَوجَعَه |
تَكَلَّمي أَودُّ أَن أَسمَعَه | |
أَوَدُّ أَن أَحني لَهُ أَضلُعي | قَوساً من الحُبِّ فَيَبقى مَعي |
ما بَقِيَ العُمرُ وَأَبقى مَعَه | |
أَوَدُّ أَن أَفرُشَ عَينَيَّ لَه | هذا دَمعي أَوَدُّ ان يَأكُلَه |
إِنَّ الهَوى يَهوِّنُ الجَلجَلَه | |
لَيسَ الهَوى يا أُختَ روحي سوى | قُربانَةِ الاِرواحِ لَيسَ الهَوى |
فَغَمغَمَت غلوا سوى مهزَلَه | |
وَغادَرتُهُ في اسمىً موغِلِ | من مُشكِلٍ يُزَجى الى مُشكِلِ |
كَمُدلِجٍ في لَيلِهِ الأَليَلِ | |
فَقالَ هذا الحُبُّ من أَنزَلَه | فَرَنَّ في مِسمَعِهِ المهزَلَه |
وَرَجَّعتَها قُبَّةُ الهَيكَلِ |