أعاذل حسب المرء بالشيب عاذلا
![أعاذل حسب المرء بالشيب عاذلا](http://islamarchive.cc/upload/poems/absi.jpeg)
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أعاذل حسبُ المرء بالشيب عاذلا | وأفحشُ جهلٍ أن يُرى الكهل جاهلا |
أعاذل قد أمضيتُ في اللهو والصبا | طويلاً فلم يُكسبنيَ اللهوُ طائلا |
أكلتُ ثمارَ الدهر والدهرُ آكِلٌ | حياتي وأغضبتُ الذي ليس غافلا |
وما الوقت إلا كالمودع إنما | تراه بما فيه من الحال زائلا |
كأن لم يكن غصنُ الشباب إذا انثنى | يُغازِل بالشكل الغزالَ المُغازِلا |
كأنيَ لم أنفث رُقى السِّحر في التي | لواحظُها عَطّلنَ بالسحر بابلا |
كأن لم أُجامِل في هوىً مَن جمالها | ليعلم مَن يُبلى بها أن يُجامِلا |
لقد أقصرت فيها العواذلُ إذ بدت | مَحاسِنُ قد أخرَسنَ حتّى العواذِلا |
* * * | |
فما جُرِّدَت إلا تسربلَ جسمُها | غلائلَ نورٍ حين تنضو الغلائلا |
أعيش بها عن كلِّ عضوٍ بمسها | وتجعل أعضائي جميعاً مقاتلا |
وفي العَين لاهُوتيّةٌ جوهريّةٌ | بها صار مَحيايَ وللنفس قاتلا |
مَهابَتُها تَثني دموعي عن البكا | وتنسينيَ الشكوى فأبهَت ذاهِلا |
ومَن يُحي نفساً بالذي فيه موتُها | قديرٌ على أن يجعل الحقَّ باطلا |
لقد خذل السلوانُ قلبي لأنه | تأمّل خصراً للرَّوادف حامِلا |
هنالك صار الصبرُ منفصمَ العُرا | كما فصمت ساقُ الحبيب الخَلاخِلا |
فهذا نحولي شاهدٌ لي بأنَّ لي | فؤاداً من الشوق المبرِّح ناحلا |
لأنَّ رياحَ الشوق هبّت شمائلاً | فغادَرنَ أغصانَ الحياة ذَوابِلا |
إذا شاكل العشّاقُ وجدي بوجدهم | فقد يئسوا أن لا يروا لي مُشاكلا |
* * * | |
كذا مَن تحلّى بالعلوم محقّقاً | تراه لدى القاضي التّنوخي عاطلا |
رأيتُ رجالاً لا يُرَامُ كمالُهُم | ولم أرَ كالقاضي التنوخيِّ كاملا |
إذا استنبط القومُ العلومَ تشاجَروا | وأوضح برهان العقول الدلائلا |
أطلَّ على فصل الخطاب بمنطقٍ | إذا جَدَّ في المعنى أصاب المقاتلا |
يُقيِّد ألفاظَ الألدِّ بلفظِهِ | ويفضُل بالحقِّ المبين المُفاضِلا |
فيشفي قلوبَ السائلينَ مُجاوباً | كما يختم الأفواه إن كانَ سائلا |
يخوض بلُجِّ العلم غيرَ مشمِّرٍ | عن السّاقِ حتّى يُحسَبَ اللُّجُّ شائلا |
فلو شاجَرَته ألسنُ الناس كلهم | دِراكاً وعى فهماً وأفهَمَ قائلا |
ويدرك ما قالوا جميعاً فُجاءَةً | ويبدؤهم بالمشكلات مُقابلا |
إذا هو حاجى ذا الحِجا بَصَّرَ الهدى | وأنت تراه مُرشِداً لا مُخاتِلا |
* * * | |
لذاك تُرى في الناس أيّامُ حكمِهِ | تُبيِّضُ من إشراقهنَّ الأصائلا |
جلا ظلماتِ الظُّلم نورُ قضائه | فصيَّر شملَ العدل في الناس شاملا |
إذا ما قضاياه تخللن ظلمةً | توقَّدن إذ قد كُنَّ فيها قنادلا |
إذا ما أراد اللَهُ خيراً لمعشرٍ | يولِّي عليهم ثاقب الرأي عامِلا |
لقد سرَّ أهلَ السرِّ تجديدُ عهده | كما سرَّ ميلادُ الغلام القَوابِلا |
به أوضح السلطان يقظةَ رأيه | وإن كان عمّا غير ذلك غافلا |
تَداركَ منهم أصلَ صر تحمَّلوا | على الضرِّ حتى لم يطيقوا التحامُلا |
فأبدأهم بالطلِّ ميسور فضلهِ | وأتبعَهم في عُقبَةِ الطلِّ وابلا |
به بسط الرحمنُ في الخلق رحمةً | وخصَّ اليتامى منهمُ والأرامِلا |
عن العقل فاسأل لا عن العلم واتبع | فقد أكمل الخيرات من كان عاقلا |
وذو العقل من يبغي النجاةَ لنفسه | ويخلص بالتفضيل من كان قابلا |
فيا من أحلَّته تنوخُ بنجوةٍ | لأنَّ له فيها سناماً وكاهلا |
لئن أنتَ جرَّدتَ العزيمةَ في العلا | لقد جردت فيها تنوخُ المعابلا |
وإن تفضل الحكامَ علماً وسؤدداً | فقد فضلت قدماً تنوخُ القبائلا |
قسمتَ العطايا إذ كُنيتَ بقاسمٍ | لأنك تُكنى بالذي ظلتَ فاعِلا |
فلم أر ميلاً منك عن صدق كنية | كُنيتَ بها مما يقسّم مايلا |
* * * | |
لعمري لئن سمَّوا أباك محمداً | وأنت عليّاً قد أصابوا الشواكلا |
هما اسمان شُقَّا من علاً ومحامدٍ | رأوا فيكما منها قديماً مخائلا |
فراسة أنجابٍ رأوها دقائقاً | فلما أتى التصديق صارت جلائلا |
جواهر أصلٍ كُنَّ فيكم معادِناً | فهذَّبتها حتى يُرينَ شمائلا |
كذي جوهرٍ راز المعادن كلَّها | بتهذيبها كي تستتمَّ الفضائلا |
كذلك تأثير المغارس في الثرى | يزكِّي وينمي في الفُروع الأماثلا |
كذا السيف من سنخ الحديد فرنده | وإن يُجتلى حتى يكدَّ الصياقلا |
فيومُك بالحسنى يساجل أمسه | إذا لم تجد في المكرمات مساجلا |
جمعت قلوبَ الناس فيك على الرضا | وحمَّلت بالذكر الجميل المحاملا |
فلا زلتَ في شكر المزيد فلا يُرى | من الفضل والإحسان ربعُك حائلا |