لقاء و فراق
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
صبرا على هجرنا إن كان يرضيها | غير المليحة مملول تجنّيها |
فالوصل أجمله ما كان بعد نوى | و الشمس بعد الدّجى أشهى لرائيها |
أسلمت للسّهد طرفي و الضّنى بدني | إنّ الصبابة لا يرجى تلاقيها |
إنّ النساء إذا أمرضن نفس فتى | فليس غير تدانيهنّ يشفيها |
فاحذر من الحبّ إنّ الريح خفيت | لولا غرام عظيم مختف فيهعا |
يمضي الصفاء و يبقى بعده أثر | في النفس يؤلمها طورا و يشجيها |
مرّت ليال بنا كان أجملها | تمّت فما شانها إلاّ تلاشيها |
تلك اللّيالي أرجو تذكّرها | خوف العناء و لا أخشى تناسيها |
أصبو إليها و أصبو كلّما ذكرن | عندي اشتياقا إلى مصر و أهليها |
أرض سماء سواها دونها شرفا | فلا سماء و لا أرض تحاكيها |
رقّت حواشيها و اخضرّ جانبها | و أجمل الأرض ما رقت حواشيها |
كأنّ أهرامها الأطواد باذخة | هذي إلى جنبها الأخرى تساميها |
و نيلها العذب ما أحلى مناظره | و الشّمس تكسوه تبرا في تواريها |
كأنّها كعبة حجّ الأنام لها | لولا التقى قلت فيها جلّ بانيها |
و ما أحيلى الجواري الماخرات به | تقلّ من أإرضه أحلى جواريها |
من كلّ الوجه يغرينا تبسّمها | إن نجتديها ، و يثنينا تثنيها |
و ناهد حجبت عن كلّ ذي بصر | حشاشتي خدرها و القلب ناديها |
فقي كلّ جارحة منّي لها أثر | " و الدار صاحبها أدرى بما فيها " |
و في الكواكب جزء من محاسنها | و في الجآذر جزء من معانيها |
يمّميتها و نجوم الأفق تلحظني | في السير شذرا كأنّي من أعاديها |
كادت تساقط غيظا عندما علمت | أنّي أؤم التي بالنفس أفديها |
أسرى إليها و جنح اللّيل مضطرب | كأنّه مشفق أن لا ألاقيها |
و الشوق يدفعني و الخوف يدفعني | هذا إليها و هذا عن مغانيها |
أطوي الدّياجي و تطويني على جزع | تخشى افتضاحي و أخشى الصّبح يطويهعا |
فما بلغت مغاني من شغف بها | إلاّ وقد بلغت نفسي تراقيها |
هناك ألقيت رحلي و انتحيت إلى | خود يرى الدّمية الحسناء رائيها |
بيض ترائبها سود ذوابيها | زجّ حواجبها كحل مآقيها |
نهودها من ثنايا الثوب بارزة | كأنّها تشتكي ممّا بولريها |
و الثوب قد ضاق عن إخفائها فنبا | عنها فيا ليتني برد لأحميها |
و تحت ذلك خصر يستقلّ به | دعص ترجرج حتّى كاد يلفيها |
قامت تصافحني و الرّدف يمنعها | و الوجد يدفعها و القدّ يثنيها |
دهشت حتّى كأنّي قطّ لم أرها | و كدت و الله أنسى أن أحيّيها |
باتت تكلّمني منها لواحظها | بما تكنّ و أجفاني تناجيها |
حتّى بدا الفجر و اعتلّت نسائمه | و كاد ينشر أسراري و يفشيها |
بكت دموعا و أبكتني الدموع دما | ورحت أكتم أشياء و تبديها |
كأنّها شعرت في بعدنال أبدا | فأكثرت من وداعي عند واديها |
فما تعزّت بأن الدّهر يجمعنا | يوما و لا فرحت أنّي أمنيها |
تقول و الدمع مثل الطلّ منتثر | على خدود خشيت الدّمع يدميها |
و الهف نفسي على أنس بلا كدر | ترى تنال من الدنيا أمانيها ؟ |
فقلت صبرا على كيد الزمان لنا | فكلّ حافر بئر واقع فيها |