يا بلادي
مدة
قراءة القصيدة :
7 دقائق
.
مثلما يكمن اللّظى في الرّماد | هكذا الحبّ كامن في فؤادي |
لست مغرى بشادن أو شاد | أنا صبّ متيّم ببلادي |
يا بلادي عليك ألف تحيّة | |
هو حبّ لا ينتهي والمنيّة | لا ولا يضمحلّ والأمنيّة |
كان قبلي وقبل الشّجيّه | كان من قبل في حشا الازليّه |
وسيبقى ما دامت الأبديّه! | |
خلّياني من ذكر ليلى وهند | واصرفاني عن كل قدّ وخدّ |
كلّ حسناء غير حسناء عندي | أو أرى وجدها بقومي كوجدي |
لا حياء في الحبّ والوطنيّه | |
كلّ شيء في هذه الكائنات | من جماد وعالم ونبات |
وقديم وحاضر أو آت | صائر للزوال أو للممات |
غير شوقي إليك يا سوريّه | |
أنت ما دمت في الحياة حياتي | فإذا ما رجعت للظلمات |
واستحالت جوارحي ذرّات | فلتقل كلّ ذرة من رفاتي |
عاش لبنان ولتعش سوريّه | |
ولتقل كلّ نفحة من ندّ | ولتقل كلّ دمعة في خدّ |
ولتّقل كلّ غرسة فوق لحدي | وليقل كلّ شاعر من بعدي |
عاش لبنان ولتعش سوريّه | |
ربّ ليل سهرته للصبّاح | حائرا بين عسكر الأشباح |
ليس لي مؤنس سوى مصباحي | ونداء الملاّح للملاّح |
وصراخ الزّوارق اللّيليّة | |
تتهادى في السّير كالملكات | أو كسرب النّعام في الفلوات |
مقبلات في النّهر أو رائحات | تحت ضوء الكواكب الزّاهرات |
فوق ماء كالبردة اليمنيّه | |
تتمشّى في صفحتيه النّسائم | فترى الموج فيه مثل الأراقم |
يتلوّى ،وتارة كالمعاصم | كلف الماء بالنّسيم الهائم |
ليتني كنت نسمة شرقيّه | |
هجع النّاس كلهم في المدينه | وتولّت على ((نويورك))السّكينة |
وجفوني، بغمضها، مستهينه | لا ترى غير طيف تلك الحزينه |
لست أعني بها سوى سوريّه | |
ذاك ليل قطعته أتأمّل | رسمها الصّامت الذي ليس يعقل |
وبناني مع خاطري تتنقل | بين هذا الحمى وذاك المنزل |
والرّبى والخمائل السّندسيّه | |
ههنا رسم منزل اشتهيه | ههنا مربع أحبّ ذويه |
ههنا رسم معهد كنت فيه | مع رفاقي أجرّ ذيل التّيه |
في الضّحى ، في الأصيل، بعد العشيّه | |
كم تطلعت في الخطوط الدّقيقه | ولثمت الطّرائق المنسوقه |
قنعت بالخيال نفسي المشوقه | ليت هذا الخيال كان حقيقه |
فعذابي في لذّتي الوهميّه | |
يا رسوما قد هيّجت اشواقي | طال ، لو تعلمين، عهد الفراق |
أين تلك الكؤوس ، أين السّاقي؟ | أين تلك الأيّام، أين رفاقي؟ |
أيا أحلامي الحسان البهيّه؟ | |
يارسوم الرّبوع والأصحاب | بحياتي عليك بالأحباب |
أخبرني فقد عرفت مصابي | أترى عائد زمان التّصابي |
أم طوته عنّا الأبديّه؟ | |
سبقتني دنيا أرادت لحافي | فأنا الآن آخر في السّباق |
نصف عمري نصفي الباقي | كرثاء الأوراق للأوراق |
يبس الأصل والفروع نديّه | |
ما تراني إذا تغنّى الشّادي | ومضى في الغناء والإنشاد |
فأطار الأسى عن الأكباد | أحسب العود في يديه ينادي |
أيّها القوم أنقذوا سوريّه! | |
وإذا ما جلست تحت الظّلام | أرقب البدر من وراء الغمام |
رنّ في مسمعي فهزّ عظامي | شبه صوت يقول للنوّام |
أيّها القوم أنقذوا سوريّه! | |
وإذو ما ذهبت في البستان | بين زهر الخزام والأقحوان |
أسمع الهاتفات في الأفنان | قائلات وللكلام معان |
أيّها القوم أنقذوا سوريّه! | |
وإذا ما وقفت عند الغدير | حيث تمشي الطّيور خلف الطّيور |
خلت أنّ الأمواه ذات الخرير | قائلات معي لأهل الشّعور |
أيّها القوم أنقذوا سوريّه! | |
ما لقومي وقد دهتها الدّواهي | بالذي يطفىء النّجوم الزّواهي |
ويثير (الحماس) في الأمواه | قعدوا بين ذاهل أو لاه |
أين أين الحفيظة العربيّه؟ | |
هي أمّ لكم وأنتم بنوها | حفظت عهدكم فلا تنكروها |
أنتم أهلها وأنتم ذووها | لا تعينوا بالصّمت من ظلموها |
ذاك علم على النّفوس الأبيّه | |
كن نبيا يستنزل الإلهاما | كن مليكا يصدر الأحكاما |
كن غنيا ، كن قائدا ، كن إماما | كن حياة،كن غبطة، كن سلاما |
لست مني أو تعشق الحريّه!!! | |
شوق يروح مع الزّمان ويغتدي | والشّوق ، إن جدّدته يتجدّد |
دع عنك نصحي بالتّبلّد ساعة | يا صاح، قد ذهب الأسى بتبلّدي |
ما زاد في أسف الحزين وشجوه | شيء كقولك للحزين تجلّد |
ما زلت أعصيه إلى أن هاجني | ذكر الحمى فعصيت كلّ منفّد |
وأطار عن جفني الكرى وأطارني | عن مرقدي مشي الهموم بمرقدي |
في جنح ليل مثل حظّي حالك | كالبحر ساج ... مقفر كالفدفد |
أقبلت أنظر في النّجوم مصعدا | عيني بين مصوب ومصعد |
أو واجف أو راجف مترجرج | أو ظافر أو حائر متردّد |
يمشين في هذا الفضاء وفوقه | وكأنّما يمشين فوق الأكبد |
والبدر منبعث الشّعاع لطيفه | صاف كذهن الشّاعرالمتوقّد |
ما زال ينفذ في الدّجى حتّى استوى | فيه ، فيا لك أبيضا في أسود |
والشهب تلمع في الرّفيع كأنّها | أحلام أرواح الصّغار الهجّد |
ينظرون عن كثب إليه خلسة | نظر الملاح إلى الغرير الأمرد |
فعجبت مّمن نام ملء جفونه | والكون يشهد مثل هذا المشهد |
ورأيتني فوق الغمام محلقا | في الأفق ما بين السّهاوالفرقد |
فسمعت صوتا من بعيد قائلا | يا أيّها السّاري مكانك تحمد |
ما دمت في الدّنيا فلا تزهد بها | فأخو الزّهادة ميت لم يلحد |
لا تقنطنّ من النّجاح لعثرة | ما لا ينال اليوم يدرك في غد |
كم آكل ثمرا سقاه غيره | دمه ، وكم من زارع لم يحصد |
لو كان يحصد زرعه كلّ امرىء | لم تخلق الدّنيا ولم تتجدّد |
بالذكر يحيا المرء بعد مماته | فانهض إلى الذكر الجميل وخلّد |
فلئن ولدت ومتّ غير مخلّد | أثرا فأنت كأنّما لم تولد |
حتّى م في لا شيء يقتتل الورى | إنّ الحمام على الجميع بمرصد |
طاشت حلوم المالكين ، فذاهل | لا يستفيق وحائرلا يهتدى |
وأفقت ، إذ قطع الكلام مكلّمي | فنظرتني فإذا أنا لم أصعد |
ما للكواكب لا تنام ولا تني | قد طال سهدك يا كوكب فارقدي |
كم تنظرين إلى الثّرى من حالق | ما في الثّرى لأخي الأسى من مسعد |
أو تريني عندما اشتّدّ الدّجى | واشتدّ دائي نام عني عوّدي |
حتّى لقد كاد القريض يعقّني | ويصون عنّي ماءه وأنا الصّدى |
أمسي أهمّ به ويظلع خاطري | فكأنّما أنا ماتح من جلمد |
لا تسألني لم سهدت فإنّني | لو كان في وسعي الكرى لم أسهد |
صرفت يد البلوى يدي عن أمرها | ما خلت أمري قطّ يخرج من يدي |
في أضلعي نار أذابت أضلعي | ومشت إلى كبدي ولّما تخمد |
أخشى على الأحشاء من كتمانها | وأخاف أن أشكو فيشمت حسّدي |
ومليحة لا هند من أسمائها | كلاّ، وليست كالحسان الخرّد |
نشز الجواري والإماء تمردّدت | وونت فلم تنشز ولم تتمرّد |
في النّفس منها ما بها من دهرها | أزكى السّلام عليك أرض الموعد |
يا ليت شعري كم أقول لها انهضي | وتقول أحداث الزّمان لها اقعدي |
ليس الذي لاقته هينا إنّما | حمل الأذى هين على المتعوّد! |