كتابي
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
وسائلة: أيّ المذاهب مذهبي | وهل كان فرعا في الديانات أم أصلا |
وأيّ نبيّ مرسل أقتدي به | وأيّ كتاب منزل عندي الأغلى؟ |
فقلت لها : لا يقتني المرء مذهبا، | وإن جلّ ، إلاّ كان في عنقه غلاّ |
فما مذهب الإنسان إلاّ زجاجة | تقيّده خمرا وتضبطه خلاّ |
فإن كان قبحا لم يبدّله لونها | جمالا، ولا نبلا إذا لم يكن نبلا |
أنا آدميّ كان يحسب أنه | هو الكائن الأسمى وشرعته الفضلى |
وأنّ له الدنيا التي هو بعضها | وأنّ له الأخرى إذا صام أو صلّى |
أمنّ على الصّادي إذا ما سقيته | وألزمه شكري، ولست أنا الوبلا |
وأزهى إذا أطمعت جوعان لقمة | كأني خلقت الحبّ والحقل والحقلا |
تتلمذت لإنسان في الدّهر حقبة | فلّقتني غيّا، وعلّمني جهلا |
نهاني عن قتل النّفوس وعندما | رأى غرّة منّي تعلّم بي القتلا! |
وذّم إلّي الرقّ ثم استرقّني | وصوّر ظلما فيه تمجيده عدلا |
وكاد يريني الإثم في كلّ ما أرى | وكلّ نظام غير ما سنّ مختلا |
فصار الورى عندي عدوّا وصاحبا | وأنقسم صنفين علياء أو سفلى |
وصرت أرى بغضا ، وصرت أرى هوى، | وصرت أرى عبدا ، وصرت أرى مولى |
ويا ربّ شرّ خلته الخير كلّه | ويا ربّ خير خلته نكبة جلّى |
إلى أن رأيت النجم يطلع في الدجى | لذي مقلة حسرى وذي مقلة جذل |
وشاهدت كيف النهر يبذل ماءه | فلا يبتغي شكرا ولا يدّعي فضلا |
وكيف يزين الطلّ وردا وعوسجا | وكيف يروّي العارض الوعر والسهلا |
وكيف تغذّي الأرض ألأم نبتها | وأقبحه شكلا كأحسنه شكلا |
فأصبح رأبي في الحياة كرأيها | وأصبحت لي دين سوى مذهبي قبلا |
وصار نبيّ كلّ ما يطلق العقلا | وصار كتابي الكون لا صحف تتلى |
فديني كدين الرّوض يعبق بالشذى | ولو لم يكن فيه سوى اللص منسلا |
فليست تخوم المالكيه تخومه | وإنّ له إن يعلموا غيرهم أهلا |
فكم هشّ للأنسام والنور والندى | وآوى إليه الطير والذرّ والنملا |
وكم بعثته للحياة من البلى | قريحة فنّان فأورق واخضلاّ |
وأصبح يجلى ((طيفه)) في قصيدة | وفي رقعة أو لوحة ((وهو)) لا يجلى |
وديني الذي اختار الغدير لنفسه | ويا حسن ما اختار اغدير وما أحلى! |
تجيء إليه الطير عطشى فترتوي | وإن وردنه الإبل لم يزجر الإبلا |
ويغتسل الذئب الأثيم بمسائه | فلا إثم ذا يمحي ، ولا طهر ذا يبلى! |
وديني كدين الشّهب تبدو لعاشق | وقال، وفيها ما يحبّ وما يقلى |
فما استترت كيما يضلّ مسافر | ولا بزغت كي يستنير الذي ضلاّ |
وليس لها أن تمنع الناس ضوءها | ولو فتلوا منه لتكبيلها حبلا |
وديني كدين الغيث إن سحّ لم يبل | أروى الأقاحي أم سقى الشوك والدّفلى |
فلم يتخّير في الفضاء مسيره، | ولم ينهمر جودا ، ولم ينحبس بخلا |
وإن لم أكن كالروض والنجم والحيا | فحسبي اعتقادي أنّ خطّتها المثلى |
يرى النحل غيري اذ يرى النحل حائما | وأبصر قرص الشهد اذ أبصر النحلا |
وألمح واحات من النخل في النوى | اذا حرف الإعصار من واحتي النخلا |
وان أشرب الصهباء أعلم أنني | شربت بشاشات الزمان الذي ولّى |
وما همسته الريح في أذن الثرى | وما ذرفت في الليل نجمته الشكلى |
وغصّات من ماتوا على اليأس في الهوى | فيا شاربيها هل لمحتم دم القتلى؟ |
وان مرّ طفل رأيت به الورى | من المثل الأدنى الى المثل الأعلى |
فيا لك دنيا حسنها بعض قبحها | ويالك كونا قد حوى بعضه الكلاّ |