لم أجد أحدا ...
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
قالت سكتّ و ما سكتّ سدى | أعيا الكلام عليك أم نفدا ؟ |
إنّا عرفنا فيك ذا كرم | ما إن عرفنا فيك مقتصدا |
فاطلق يراعك ينطلق خببا | واحلل لسانك يحلل العقدا |
ما قيمة الإنسان معتقدا | إن لم يقل للناس ما اعتقدا ؟ |
و الجيش تحت البند محتشدا | إن لم يكن للحرب محتشدا ؟ |
و النور مستترا ؟ فقلت لها | كفّي الملامة و اقصري الفندا |
ماذا يفيد الصوت مرتفعا | إن لم يكن للصوت ثمّ صدى ؟ |
و النور منبثقا و منتشرا | إن لم يكن للناس فيه هدى ؟ |
إنّ الحوادث في تتابعها | أبدلني من ضلّتي رشدا |
ما خانني فكري و لا قلمي | لكن رأيت الشعر قد كسدا ... |
*** | |
كان الشّباب ، و كان لي أمل | كالبحر عمقا ، كالزمان مدى |
و صحابه مثل الرّياض شذى | و صواحب كورودها عددا |
لكنّني لمّا مددت يدي | و أدرت طرفي لم أجد أحدا !.. |
*** | |
ذهب الصّبي و مضى الهوى معه | أصبابه و الشيب قد وفدا ؟ |
فاليوم إن أبصرت غانية | أغضي كأنّ بمقلتي رمدا |
و إذا تدار الكأس أصرفها | عنّي ، و كنت ألوم من زهدا |
و إذا سمعت هتاف شادية | أمسكت عنها السمع و الكبدا |
كفّنت أحلامي و قلت لها | نامي ! فإنّ الحبّ قد رقدا |
وقع الخطوب عليّ أخرسني | و كذا العواصف تسكت الغردا |
عمرو صديق كان يحلف لي | إن نحت ناح و إن شدوت شدا |
و إذا مشيت إلى المنون مشى | و إذا قعدت لحاجة قعدا |
صدّقته ، فجعلته عضدي | و أقمت من نفسي له عضدا |
لكنّني لمّا مددت يدي | و أدرت طرفي لم أجد أحدا !.. |
*** | |
هند ، و أحسبني إذا ذكرت | أطأ الأفاعي ، أو أجسّ مدى |
كانت إلها ، كنت أعبده | و أجلّه ، و الحسن كم عبدا |
كم زرتها و الحيّ منبته | و تركتها و الحيّ قد هجدا |
و لكم و قفت على الغدير بها | و الريح تنسج فوقه زردا |
و الأرض ترقص تحتنا طربا | و الشهب ترقص فوقنا حسدا |
و لكم جلسنا في الرياض معا | لا طارئا نخشى و لا رصدا |
و اللّيل فوق الأرض منسدل | و الغيم فوق البدر قد جمدا |
قد كاشفتني الحبّ مقتربا | و شكت إليّ الشوق مبتعدا |
لكنّني لمّا مددت يدي | و أدرت طرفي لم أجد أحدا ! .. |
*** | |
قومي ، و قد أطربتهم زمنا | ساقوا إليّ الحزن و الكمدا |
هم عاهدوني إن مددت يدي | ليمدّ كلّ فتى إليّ يدا |
قالوا غدا تهمي سحائبنا | فرجعت أدراجي أقول غدا |
و ظننت أنّي مدرك أربي | إن غار تحت الأرض أو صعدا |
فذهبت أمشي في الثرى مرحا | ما بين جلّاسي و منفردا |
تيه المجاهد نال بغيته | أو تيه مسكين إذا سعدا |
لكنّني لمّا مددت يدي | و أدرت طرفي لم أجد أحدا ! ... |
*** | |
هم هدّدوني حين صحت بهم | صيحاتي الشّعواء منتقدا |
و رأيت في أحداقهم شررا | و رأيت في أشداقهم زبدا |
و سمعت صائحهم يقول لهم | أن أقتلوه حيثما وجدا |
فرجعت أحسبهم برابرة | في مهمة و أظنّني ولدا |
مرّت ليال ما لها عدد | و أنا حزين باهت كمدا |
أرتاع إن أبصرت واحدهم | ذعر الشويهة أبصرت أسدا |
و إذا رقدت رقدت مضطربا | و إذا صحوت صحوت مرتعدا |
لكنّني لمّا مددت يدي | و أدرت طرفي لم أجد أحدا ! ... |
*** | |
لا تذكروهم لي ، و إن سألوا | لا تذكروني عندهم أبدا |
لا يملأ السربال واحدهم | و له وعود تملأ البلدا |
يا ليتني ضيّعت معرفتي | من قبل أعرف منهم أحدا |