وردة وأميل
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
يا ليتما خلق الزمان أميلا | إني أراه كالشّباب جميلا |
ولّى، فودّعت السماء بهاءها | من بعده ،هوى النّهار عليلا |
جنحت ذكاء إلى الغروب كأنما | تبغي رقادا أو تريد مقيلا |
وتناثرت قطع السحاب كأنها | الجيش الملّهام إذا انثنى مفلولا |
هذا وقد بسط السكون جناحه | والليل أمسى ستره مسدولا |
قد بات كلّ مسهّد طوع الرّقاد، | وكلّ جفن بالكرى مكحولا |
إلا مهفهفة بها نزل الهوى | ضعيفا ولكن لا يريد رحيلا |
غيداء قد وصلت ذوائبها الثّرى | أني لأحسد ذلك الموصولا |
تحكي المدامة رقة وقساوة | تحكي المهاة لواحظا وتليلا |
ماء الحياء يجول في وجناتها | فكأنّ في تلك الكؤوس شمولا |
والخدّ أبهج ما يكون موردا | والطرف أفتن ما يكون كحيلا |
نظرت وربّ منية من نظرة | قد كان عنها ربّها مشغولا |
فهوت وربّ هوى تنال به تامنى | وهوى ينال به الحمام نبيلا |
والحبّ مصدره العيون وربّما | تخذ السماع إلى القلوب سيلا |
فإذا عشقت فلا تلم أحدا سوى | عينيك ، إنّ من العيون قتولا |
ودّت وقد نال الذّبول خدودها | لو أن في الشّوق المقيم ذبولا |
وإذا تملّكت الصّبابة في امرىء | لم بجد عذل العاذلين فتيلا |
سمعت دويا في الظّلام فهرولت | مذعورا بعد الوقوف طويلا |
وأنين مختضر يقول قتلتني | ثكلتك أمّك لم أنل مأمولا |
تعدو وتجذبها روادفها إلى | خلف فتجهد خضرها المتبولا |
فكأنّ في ذاك الوشاح متّيما | وكأنّ في ذاك الإزار عذولا |
تخذت من اللّيل المخّيم صاحبا | ومن الأنين إلى الأنين دليلا |
تبغي الوّقوف على حقيقة أمره ، | تبغي حليلا لا تراه جليلا |
وتدير في تلك البنان مسدّسا | تركت قذائفه السهام فضولا |
في طرفه كمن الهلاك فلو رنا | طرف الزّمان إليه عاد كليلا |
قد أسكنت أكر الرّصاص جفونه | فكأنّ أكبادا تجنّ غليلا |
يحمي الضعيف من القوي وربّما | قتل الجبان به الفتى البهلولا |
ومن الأسى لم تعرف الحسنار هل | قطعت ذراعا في السّرى أم ميلا |
حتى إذا رأيت المراد وما رأت | إلا خيالا واقفا مجهولا |
حسبته قاتل من تحبّ وأيقنت | أنّ الذي علقت به المقتولا |
فدنت وأطلقت المسدّس نحو من | بصرت به عرضا فخرّ قتيلا |
صرعت فتى صرع الرّقيب وجندلت | أسدا يخرّ له الهزير ذليلا |
كالبدر حسنا ، كالغمام سماحة، | كالغصن غضّا، كالحسام صقيلا |
ثبت الجنان قويّة، عف الإزارنقيّه ، | ما خان قطّ خليلا |
هذا هو الدّنف الذي أرضى الهوى | فيها، وأغضب كاشحا وعذولا |
ما نال بعد جهاده إلا الرّدى | والبدر يكسيه المسير أفولا |
لم تعلم الحسناء أنّ قتيلها | من لم تر أبدا سواء جميلا |
عرفت وذلك عندما طلع الضّحى | ورأت عيانا نعشه محمولا |
لم يبلغوا القبر المعدّ لدفتيه | إلا وقد بلغ الرّدى العطبولا |
يا صاحبي إن جزت في قبريهما | فاتل السّلام عليهما ترتيلا |
من شاعر ما حرّك الغصن الهوا | إلا تذّكر وردة وإميلا |