صاحب القلم
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
أشقى البريّة نفسا صاحب الهمم | و أتعس الخلق حظّا صاحب القلم |
عاف الزّمان بني الدنيا و قيّده | و الطير يحبس منها جيّد النغم |
و حكّمت يده الأقلام في دمه | فلم تصنه و لم يعدل إلى حكم |
فيا له عاشقا طاب الحمام له | إن المحبّ لمجنون فلا تلم |
لكلّ ذي همّة في دهره أمل | و كلّ ذي أمل في الدهر ذو ألم |
ويل اللّيالي لقد قلّدنني ذربا | أدنى إلى مهجتي من مهجة الخصم |
ما حدّثتني نفسي أن أحطّمه | إلاّ خشيت ععلى نفسي من الندم |
فكلّما قلت زهدي طارد كلفي | رجعت و الوجد فيه طارد سأمي |
يأبى الشّقاء الذي يدعونه أدبا | أن يضحك الطرس إلاّ إن سفكت دمي |
لقد صحبت شبابي و اليراع معا | أودى شبابي ... فهل أبقي على قلم |
كأنّما الشعرات البيض طالعة | في مفرقي ، أنجم أشرقن في الظلم |
تضاحك الشيب في رأسي فعرّض بي | ذو الشّيب عند الغواني موضع التهم |
فكلّ بيضاء عند الغيد فاحمة | و كلّ بيضاء عندي ثغر مبتسم |
قل للتي ضحكت من لمّتي عجبا | هل كان ثمّ شباب غير منصرف |
أصبحت أنحل من طيف ، و أحير من | ضيف ، و أسهر من راع على غنم |
و ليلة بتّ أجني من كوكبها | عقدا كأنّي أنال الشّهب من أمم |
لا ذاق جفني الكرى تنال يدي | ما لا يفوز به غيري من الحلم |
ليس الوقوف على الأطلال من خلقي | و لا البكاء على ما فات من شيمي |
لكنّ ( مصرا ) ، و ما نفسي بناسبه | مليكة الشّرق ذات النيل و الهرم |
صرفت شطر الصّبا فيها فما خشيت | نفسي العثار ؛ و لا نفسي من الوصم |
في فتنة كالنّجوم الزهر أوجههم | ما فيهم غير مطبوع على الكرم |
لا يقبضون مع اللّاواء أيديهم | و قلّما جاد ذو وفر مع الأزم |
حسبي من الوجد همّ ما يخامرني | إلاّ و أشرقني بالبادر الشيم |
في ذمّة الغرب مشتاق ينازعه | شوق إلى مهبط الآيات و الحكم |
نا تغرب الشمس إلاّ أدمعي شفق | تنسى العيون لديه حمرة العنم |
و ما سرت نسمات نحوها سحرا | إلاّ وددت لو أنّي كنت في النّسم |
ما حال تلك المغاني بعد عاشقها | فانّني بعدها للهمّ و السّقم |
جاد الكنانة عنّي وابل غدق | و إن يك النّيل يغنيها عن الديّم |
الشرق تاج ، و مصر منه درّته | و الشرق جيش ، و مصر حامل العلم |
هيهات تطرّف فيها عين زائرها | بغير ذي أدب أو غير ذي شمم |
أحنى على الحرّ من أمّ على ولد | فالحرّ في مصر كالورقاء في الحرك |
ما زلت و الدهر تنبو عن يدي يده | حتّى نبت ضلّة عن أرضها قدمي |
أصبحت في معشر تقذي العيون بهم | شرّ من الدّاء في الأحشاء و التّخم |
ما عزّ قدر الأديب الحرّ بينهم | إلاّ كما عزّ قدر الحيّ في الرّمم |
من كلّ فظّ يريك القرد محتشما | و يضحك القرد منه غير محتشم |
إذا بصرت به لا فاته كدر | رأيت أسمج خلق الله كلّهم |
من الأعاب لكن أنشده | جواهر الشّعر ألقاه من العجم |
ما إن تحرّكه همّا و لا طربا | كأنّما أنا أتلوها على صنم |
لا عيب في منطقي لكن به صمم | إنّ الصوادح خرس عند ذي الصّمم |
حجبت عن كلّ معدوم النّهى درري | إنّي أضنّ على الأنعام بالنعم |
قوم أرى الجهل فيهم لا يزال فتى | في عنفوان الصّبا و العلم كالهرم |