يا نفس
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
يا نفس لو كنت ترين الشؤون | كما يراها سائر الناس |
لما رماني بعضهم بالجنون | ولم أجد في الناس من باس |
بالأمس مرّ الوكب الأكبر | فيه الفتى الراكب والناعل |
وأقبلت غيد الحمى تخطر | يهتفن: عاد البطل الباسل |
ما لك يا هذه لا تهتفين | لصاحب الدولة والباس؟ |
فقلت لي ضاحكة تسخرين: | ويلك ! هذا قاتل الناس! |
ومجلس دارت به الكؤوس | فشرب القوم ولم تشربي |
وامتلأت بالطرب الأنفس | وأنت في صمتك لم تطربي |
كأنّما غيّبك الحندس | أو تاهت اللذّات في سبسب |
ما لك يا هذه لا تضحكين | للحبب الضاحك في الكاس؟ |
قالت : نهاني أنّ موج السنين | سيغمر الأقداح والحاسي! |
وسرت في الروضة شاع الجمال | فيها، وشاع الحبّ بين الطيور |
ألطلّ فيها كدموع الدلال | والشوك فيها كحديث الغرور |
مشيت في أرجائها كالخيال | يطوف في الظلماء بين القبور |
كأنّما لا ورد في الياسمين | كأنّما لا عطر في الآس |
ويحك! لا في عزلتي تطربين | ولا إذا كنت مع الناس |
كان زمان كنت تستأنسين | بكلّ وهم خادع كالسراب |
حتى إذا أسفر وجه اليقين | رأيته كالوهم شيئا كذاب |
دنيا الورى ليل وصبح مبين | وليس في دنياك إلاّ الضباب |
ما لاحت الأشجار للناظرين | إلاّ رأيت شبح الفاس! |
ولا سمعت الكاس ذات الرنين | إلا سمعت حطمة الكاس! |
مسخت في عينّي لوت النهار | لّما لمحت الليل بالمرصد |
ومات في إذنّي لحن الهزار | لّما سبقت الصمت للمنشد |
فررت باللّذات قبل الفرار | فضاع يومي حائرا في غدي |
خالفت مقياس الورى أجمعين | فكيف يرضون بمقياسي؟ |
ما برح الناس كما تعلمين | ولم أزل فردا من الناس |