جرجي زيدان
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
ثكل الشّرق فتاه | ليتني كنت فداه |
ليتني كنت أصمّا | عندما النّاعي نعاه |
قد نعى النّاعون " | زيدانا " إلى البدر سناه |
و إلى التاريخ و العلم | أباه و أخاه ! |
... | |
سرى نعيه في الدمع في كلّ محجر | كأنّ قلوب الناس خلف المحاجر |
و للطير في اجنان إرنان ثاكل | و للماء أنّت الغريب المسافر |
و للنجم ، و هو النجم ، مشية ظالع | و للأرض ، و هي الأرض ، وقفة حائر |
و ما كاهن فيه الأسى غير كامن | و لا ظاهر فيه الأسى غير ظاهر |
و هي " البرق " ممّا حملوه فلم يطق | يحدّثنا عنه بغير الأشائر |
فيا خبرا ألقى الفجيعة بيننا | لأنت علينا اليوم أشأم طائر |
و يا ناقل الأنباء يجهل كنهها | كرهناك حتّى قادما بالبشائر |
أقام الأسى بين العزاء و مهجتي | و باعد ما بين القريض و خاطري |
فأمسيت لا أدري أستر من الدّجى | على الشّمس أم ضيّعت أسود ناظري |
و بات فؤادي يتّقي نزواته | كما يتّقي العصفور بأس الكواسر |
كأنّ بقلبي شاعرا ينظّم الأسى | كأنّي مدمعي كلّ ناثر |
ألا ليت شعري بعدما طار نعيه | أفي أرض مصر نائم غير ساهر |
و هل في سماء النّيل غير دياجر | و هل في مياه النيل غير مجامر |
و هل في ضفاف النيل بين نخليه | مغرّدة أو آنس غير نافر |
بم سمر الإخوان في كلّ ليلة | و صاحبهم في اللّحد غير مسامر |
لبّيكعليه المسلمون فإنّهم | أضاعوا به محبّي العصور الدّوائر |
و تبك النّصارى فخرها و عميدها | فما بعده من حجّة لمفاخر |
فما جادت الدنيا عليهم بمثله | و غير يسير أن تجود بآخر |
أيا جبل العلم الذي ماد هاويا | عزيز علينا أن ترى في الحفائر |
عليك يودّ الغرب لو كان مشرقا | و فيك يحبّ الحيّ أهل المقابر |
و يغبط تبر الأرض فيك ترابها | و يحسد ماء الجفن ماء المحابر |
و ما عادة خفض الرّجال رؤوسها | و لكنّما في الأرض كنز الجواهر |
لتفخر على الشّهب و الحصى | ففيها هلال العلم شمس المحاضر |
شأوت الأوالي جامعا و مؤلّفا | وزدت بأن أحرزت فضل الأواخر |
تخيّر أحداث اللّيالي كبارنا | كأنّ المنايا صبّة بالأكابر |
و نضحك للآمال ضحكة وامق | فيضحك منّا الدّهر ضحكة ساخر |
رضينا بأن الغزاة بلادنا | و نمنا و ما نامت عيون المعاشر |
لها كلّ يوم حكم جائر | وإقدام موتور و فتكة ثائر |
على أنّها من غير مذنب | و تأخذ بالأوتار من غير واتر |
فيا ويح هذا الشوق كيف اغتباطه | و أمضى مواضيه مليل الأظافر ؟ |
... | |
جلل في مصر لكن | في العراقين صداه |
ماد لبنان و ماد | الشّام لمّا سمعاه |
كاد أن يخذل فيه | كلّ طود منكباه |
أيّها الرّاحل عنّا | بلّغ الحزن مداه |
قد بكاك الأفق حتّى | فرقداه و سهاه |
يا خليليّ أعينا | من عصاه مسعداه |
خانت النّفس قواها | خانت البين قواه |
قد مضى من تتمنّى | كلّ عين أن تراه |
فتمنّى كلّ قبر | حين أودى لو حواه |
مات " زيدان " | أبو التاريخ فليحي فتاه ! |