ليتهم عرفوه!
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
رثى بها صديقه يعقوب روفائيل صاحب مجلة الأخلاق. | |
- - - | |
يا نفس قد ذهب الرفيق الألمعي | فتجلّدي لفراقه أو فاجزعي |
هذي النهاية ، لا نهاية غيرها، | للحي إن يسرع وإن لم يسرع |
للموت من ملك البسيطة كلّها | أو حاز من دنياه بضعة أذرع |
فازرع طريقك بالورود وبالسنا | لا يحصد الإنسان إن لم يزرع |
واعمل لكي تمضي وتبقى رقة | في مبسم ، أو نغمة في مسمع |
أو صورة مثل الربيع جميلة | في خاطر أو ناظر مستمتع |
يا صحب يعقوب ، ويا عشراءه | من منكمو أبكي ولا يبكي معي |
إنّا تساوينا فبين ضلوعكم | نار ومثل سعيرها في أضلعي |
لبنان، هذا من روضك زهرة | ذهبت كأن في الأرض لم تتضوّع |
لبنان هذا من سمائك كوكب | غرّبته حتى انطوى في بلقع |
لبنان هذا من مروجك قطعة | فيه بشاشة كلّ مرج ممرع |
قل للبنفسج في سفوحك والرّبى | ولّي شبيهك في الوداعة فاخشع |
وأمر طيورك أن تنوح على فتى | قد كان يهواها وإن لم تسجع |
قد عاش مثلك للمروءة والعلى | متعفّفا كالزاهد المتورّع |
مترفّعا في قوله وفعاله | عمّن غوى وهوى ولم يترفّع |
كم حرّضته النفس في نزواتها | ليكون صاحب حيلة أو مطمع |
فأجابها: يا نفس لا تتوّرطي | صدأ النفوس هي المطامع فاقتعي |
ليس المحارب في الوغى بأشدّ بأسا | من محارب نفسه أو أشحع |
يا صاحبي أضنيت جسمك فاسترح | وأطلت ، يا يعقوب، سهدك فاهجع |
حدّثت قومك حقبة فتسمّعوا | والآن دور حديثهم فتسّع |
هجروا الكلام إلى الدموع لأنّهم | وجدوا البلاغة كلّها في الأدمع |
كيف التفتّ وسرت لا ألقى سوى | متوجع يشكو إلى متوجّع |
حتى الألى نفشوا عليك سمومهم | حزّ الأسى أكبادهم كالمبضع |
عرفوا مكانك بعد ما فارقتهم | يا ليتهم عرفوه قبل المصرع |
ولكم تمنّوا لو تعود إليهم | أنت الشباب إذا مضى لم يرجع |
حنّوا إلى أرج الأزاهر بعدما | عبثت بها أيدي الرياح الأربع |
واستعذبوا الماء المسلسل بعدما | نضب الغدير وجفّ ماء المشرع |
يا لوعة الأحباب حين تساءلوا | عنه وعادوا بالجواب الموجع |
إن الذي قد كان معكم قد مضى | من موضع أدنى لأرفع موضع |
من عالم متكلّف متصنّع | تشقى نفوس فيه لم تتصنّع |
للعالم الأسمى الطهور ، ومن مجاورة | الأنام إلى جوار المبدع |