الاشباح الثلاثة
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
روأني النوم وما برحا | حتى طأطأت له رأسي |
أطبقت جفوني فانفتحا | باب الرؤيا والوسواس |
أبصرت كأني في موضع | ما فيه غير الأرواح |
فوقفت بعيدا أتطلّلع | فلمحت ثلاثة أشباح |
ولد يتهادى في العشر | وفتّى في برد العشرينا |
والثالث شيخ في طمر | ذو جسم يحكي العرجونا |
وإذا بالأول يقترب | مني كالطائر في الوثب |
فشعرت كأني أضطرب | وكأن خطاه على قلبي |
يا نفسي ما هذا الفرق؟ | لا رمح معه ولا نبل |
ولماذا الخشية والقلق | والخلق أحبهم الطفل |
وإذا بالطفل يخاطبني | بكلام لا يتكلّفه |
ويمازحني، ويداعبني، | فكأني شخص يعرفه |
((ما بالك منكمشا كمدا؟ | قم نلعب في فيّ الشجر |
ونهزّ الأغصن والعمدا | ونذود الطير عن الثمر |
أو نصنع خيلا من قصب | أو طيّارات من ورق |
ومدّى وسوفا من خشب | ونجول ونركض في الطرق |
أو نأتي بالفحم القاتم | ونصوّر فوق الأبواب |
تنّينا في بحر عائم | أو ليثا يخطر في غاب |
أو كلبا يعدو ، أو حملا | يرعى ، أو نهرا، أو هضبه |
أو ديكا ينقد، أو رجلا | يمشي ، أو مهرا، أو عربه |
أو نجبل ماء وترابا | ونشيد بيوتا وقبابا |
أو نجعل منه أنصابا | أو نصنع حلوى وكبابا)) |
مثّلت الطفل ودنياه | فأحبّت نفسي دنياه |
ووددت لو أني إيّاه | بل خلت كأني إيّاه |
فضحكت ولجّ بي الضحك | حتى استلقيت على ظهري |
فاستيقظ في الولد الشك | فتوقف يعجب من أمري |
ويقول: أيا هذا قدكا | فوحقك ذا الطيش الأكبر |
ما تضحك مني بل منكا | إيّاك أنا لو تتذكر! |
وتوارى عني واحتجبا | كالموجة في عرض النهر |
فتضايق قلبي واضطربا | وارتجّت روحي في صدري |
2 | |
وإذا الشبح الثاني أقبل | يترّنح مثل المخمور |
ألليل على الدنيا مسدل | وعليه وشاح من نور |
معصوب المقلة والدرب | وعر وكثير الآفات |
كسفين ليس لها ربّ | تجري في بحر الظلمات |
ماذا في الأفق ؟فقد وقفا | يتأمل فيه ويبتسم |
هل لاح له وجه عرفا | أم هزّ جوارحه نغم؟ |
أم أبصر آلهة الحب | تدعوه إليها إيماء |
لا شيء في الأقف الرحب | وكأن هناك أشياء |
ألطير تغني للزهر | ويظنّ الطير تساجله |
والزهر ترحّب بالفجر | ويظنّ الزهر تغازله |
ونظرت إليه في البّر | يتمنّى لو خاض البحرا |
ونظرت إليه في البحر | يتمنى لو بلغ البرّا |
يتأفّف من بطء الدهر | والدهر يسير به وثبا |
وينام ليحلم بالفجر | والفجر يضيء له الدربا |
ويسائل عن كأس الخمر | ويائله عنها الناس |
في الليل ، وفي وضح الفجر | والخمرة فيه والكأس |
فصيرت ولازمت الصمتا | حتى دانى الظلّ الظلّ |
فأشرت إليه: من أنتا ؟ | فأجاب: أنا ذاك الطفل |
ومضى كالظلّ إذا انتقلا | وأنا أرجو لو لم يمض |
فأعدت لنفسي ما ارتجلا | متعجّب بعضي من بعضي |
3 | |
ألشمس تزلّ عن الأفق | كالروح المحتضر الساجي |
غمرتها أمواج الغسق | فتوارت خلف الأمواج |
والغيم الأسود يحتشد | طبقا في الجوّ على طبق |
والليل يطول ويطّرد | والأرض كسار في نفق |
وإذا شيخ في صحراء | كالزورق في عرض البحر |
إعياه الصلح مع الماء | وأضاع الدرب إلى البّر |
يمشي في الأرض على مهل | وعلى حذر، لكن يمشي |
كالشاة تساق إلى القتل | بعصا جبّار ذي بطش |
يا شيخ... لماذا لا تقف؟ | دميت رجلاك من الركض |
فأجاب بصوت يرتجف | ألأرض تسير على الأرض! |
يا شيخ... رويدا فالبد | سيضيء الدرب فتستهدي |
فأجاب: ويتلوه الفجر | لكن سيضيء لمن بعدي |
أيلذّ لغصن منكسر | عرّته الريح من الورق |
أن يبصر في ضوء القمر | ما كان عليه على الطرق؟ |
ما لذّة ميت في الرمس | بالزّهر الفوّاح العطر |
نور لا يشرق في النفس | كغباء في إذن الحجر |
ما استخفت عني الأفلاك | والشهب، بل استخفى حبّي |
لم تملأ دربي الأشواك | إنّ الأشواك لفي قلبي |
يا شيخ: شجاني ما قلتا | وزرعت بنفسي آلامك |
من أنت؟ أجاب: أنا أنتا | أنا ذاتك تمشي قدّامك |
كم أبحث بين الأجرام | عني وأنقّب في الأرض |
أحلامي تطمر أحلامي | بعضي مدفون في بعضي |
لم أبصر ذاتي بالأمس | في لوح زجاج أو ماء |
بل لاحت نفسي في نفسي | فهي الورئيّة والرائي |