فتاوى المنار
مدة
قراءة المادة :
14 دقائق
.
اللعب بالنرد والشطرنج والورق
وحضور دور اللعب ومجاملة أهل الكتاب
(س 7) من صاحبي التوقيع بالمطرية (في الدقهلية) :
حضرة مرشد الأمة ورشيدها صاحب المنار المنير فضيلتلو أفندم: السلام
عليكم ورحمة الله، وبعد، ألتمس من فضيلتكم إجابتنا عن السؤال الآتي عسى
بجواب فضيلتكم تمنع الحيرة ونهتدي إلى سبيل الرشاد.
أسس بالمطرية دقهلية نادٍ باسم نادي الموظفين، الغرض منه نشر الفضيلة
ومدارسة العلم، وتوثيق عرى المحبة والإخاء والإنسانية، وأعضاء النادي المذكور
تتألف من محمديين وعيسويين وموسويين، وأعمال النادي على مقتضى قانون قد
جاء فيه: (منع الخمر والميسر منعًا باتًّا) ولكن بالنادي المذكور حجرة للهو
واللعب بالنردشير (الطاولة) والشطرنج والورق (أي الكتشينة) ترتب على
وجودها بالنادي منع بعض أعضائه المسلمين من الحضور فيه وحرمانه من سماع
ما يلقى من المحاضرات النافعة؛ لعلمه أن هذه الألعاب حرام لكونها ميسر كما
نص عليه الشافعي وجرى عليه أكثر أصحابه، واعتمده الشيخان وغيرهما مستدلاًّ
على تحريمه وتغليظ العقوبة فيه بأحاديث كثيرة وأقوال شهيرة مذكورة في كتاب
(كف الرعاع عن محرمات اللهو والسماع) وكتب غيره، ولمَّا بيَّن الممتنعُ عن
الحضور هذا المانعَ إلى بعض مؤسسي النادي، أجابه بعدم أحقيته في الامتناع حيث
هذه الألعاب لم تكن من الميسر في شيء، ولم تكن حرامًا ولا مكروهة، وأنها نافعة
لما فيها من مجاملة أهل الكتاب باللعب معهم، وتشحيذ الخواطر وتزكية الأفهام
وراحة القلوب من عناء الأفكار، وترويح النفوس من شاق الأعمال، وغير ذلك
مستشهدًا بأقوال كثيرين وببعض فتاوى المرحوم الإمام مفتي الديار (قياسًا) وقد
كثر الأخذ والرد بينهما، وانتهى الموضوع إلى رفع الأمر إليكم رجاء الجواب عما
إذا كانت الألعاب المذكورة حرامًا أو مباحة، والأكمل حضور الممتنع بالنادي لإعادة
النفع العلمي أو امتناعه عن الحضور مع وجود حجرات بالنادي خلاف المختصة
باللعب أفندم.
... ...
...
... ...
...
...
...
...
...
...
...
...
حسن حسن عزام ...
...
...
...
...
...
...
...
...
بالمطرية - دقهلية ... ملحوظة: غرفة الألعاب مفصولة عن غرفة المطالعة والمحادثة بصالة عرضها 4 أمتار تقريبًا، وحضرات أعضاء النادي الأقباط يلعبون، وإذا كان كل مسلم يبتعد عن ذلك فسينمو الجفاء طبعًا، ومن جهة أخرى فإن النادي تلقى به محاضرات علمية وأدبية وفنية كل ليلة جمعة، فإذا ابتعد المسلم خسر هذه الفوائد التي لا تخفى على فضيلتكم، فأفتونا بما يقرب الناس ويزيل سوء التفاهم، ويكون سببًا لرقينا بعد ذلك النوم الطويل، أدامكم الله للمخلص ...
...
...
...
...
...
...
...
سكرتير النادي ...
...
...
...
...
...
...
عبد الحميد حسن محجوب (ج) من اعتقد أن عملاً من الأعمال حرام وجب عليه تركه ألبتة إلا لعذر شرعي كالضرورة التي تبيح المحرم لذاته كأكل الميتة، والحاجة التي تبيح المحرم لعارض كرؤية الطبيب ما تحرم رؤيته من بدن المرأة أو الرجل، وإذا زال العذر عاد حكم التحريم كما كان.
وليست مجاملة أهل الكتاب ولا المسلمين من الأعذار التي تبيح المحرمات، ومن توهم أن التهاون بأحكام الدين من أسباب الترقي فقد انقلبت الحقيقة في نظره إلى ضدها، بل الإسراع إلى تغيير شعائر الأمة وآدابها وعاداتها التي تعد من مقوماتها أو مشخصاتها هو الذي يحل روابطها، ويمزق نسيج وحدتها، فلا ينبغي لعاقل أن يتهاون في المحافظة على ما ذكر، بل ينبغي مراعاة التدريج في ترك العادات الضارة إذا فشت في الأمة وصارت تعد من مميزاتها، فهذا أول ما يجب التفكر فيه والاعتبار به في هذا المقام وهو مما يغفل عنه الناس. على أن المجاملة لا تنحصر في اللعب بما هو محرم، ولا بما هو مباح أيضا.
ثم إن في مسألة اللعب بحثين، أحدهما: هل الألعاب المذكورة في السؤال محرمة قطعًا وهي من الميسر أم لا؟ وثانيهما: هل الدخول إلى حجرة الخطابة من النادي لسماع شيء من العلم النافع يعد محرمًا لوجود حجرة تلعب فيها تلك الألعاب عند من يرى تحريمها؟ أما اللعب بالنرد، فالجمهور على تحريمه إلا أبا إسحاق المروزي قال: يكره ولا يحرم، وهو محجوج بحديث أبي موسى مرفوعًا في صحيح مسلم وسنن أبي داود وابن ماجه: (من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله) . وعللوا ذلك بأنه كالأزلام يعول فيه على ترك الأسباب والاعتماد على الحظ والبخت فهو يضر بذلك ويغري بالكسل، والاتكال على ما يجيء به القدر، أي فيه معنى الميسر المبني على الكسب بالحظ والنصيب دون العمل والجهد، وما أشد إفساد هذا في الأمم، وما أبعده عن الإسلام الذي يهدي أهله إلى الجد والسعي والعمل، ولا يمكن التفصِّي من تحريم لعب النرد إلا إذا ثبت أن سبب النهي عنه أنهم كانوا يلعبون به على مال؛ وأنه حرم لذلك، وليس عندنا نص في ذلك، وهو لا يكون من الميسر حقيقة إلا إذا كان اللعب على مال. وأما الشطرنج فالأكثرون على أنه غير محرم ومنهم الشافعية، قال الشافعي: إنه لهو يشبه الباطل، أكرهه ولا يتبين لي تحريمه، وقال النووي: إن أكثر العلماء على تحريمه وإنه مكروه عند الشافعي أي تنزيهًا، واشترط لتحريمه أن يكون على عوض، أو يفوت على اللاعب الصلاة اشتغالاً به عنها. ولا يوجد حديث يحتج به ناطق بتحريمه، وكل ما لا نص من الشارع على تحريمه فهو مباح لذاته؛ إذا لم يكن ضارًّا واستعمل فيما يضر، فإن ترتب على فعل مباحٍ حرامٌ حُرِّم لهذا العارض لا مطلقًا، كأن يترك اللاعب بالشطرنج ما يجب عليه لله أو لعياله مثلاً، ويدخل في ذلك: اللعب بالورق، فإنه لا نص فيه من الشارع، ولكن قال بحرمته بعض الشافعية، وهؤلاء قد جعلوا للعب قاعدة فقالوا: إنه يحل منها ما فيه حساب وتفكر يشحذ الذهن كالشطرنج دون ما كان كالنرد أو كان من العبث، والحق أنه لا يحرم إلا ما كان ضارًّا كما تقدم آنفًا. ولا شك في كراهة الانهماك في اللعب والإسراف فيه، ولنا في النرد والشطرنج فتوى مطولة في المجلد السادس من المنار، فليراجعها من شاء (ص 373 - 376) . وأما حضور الخطب والمحاضرات العلمية والأدبية في النادي فلا وجه لتحريمها بحجة أن في النادي حجرة يلعب فيها لعب محرم؛ لأن الحرمة إنما هي على اللاعب وعلى من يراه ولا ينكر عليه، وكذا يباح دخول أي مكان من النادي ليس فيه منكر، وقد يستحب إذا كان فيه فائدة كموادة الأصدقاء ومجاملتهم. *** أحاديث تقويم ديوان الأوقاف (س 8) من صاحب الإمضاء في الإسكندرية: صاحب الفضيلة العلامة منشئ المنار الأغر: ما قول سيدي الأستاذ - وهو المحقق الأوحد في فن الحديث الشريف - فيما تذيل به صحائف التقويم الذي يصدره ديوان عموم الأوقاف عن حساب الأيام والشهور ومواقيت الصلاة إلخ إلخ، من الجمل الحكمية التي اختيرت على أنها أحاديث صحيحة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس على كثير منها صبغة ذلك الكلام البليغ الذي عهدناه في كتب الحديث الصحيح وأمهات كتب الشريعة الإسلامية. وإذا صح أن متخير هذه الحكم لم يحتط في بحثه ولم يرجع في مثل هذا العمل الخطير إلى الإخصائيين الراسخين في علم الحديث والسنة، وهو أول وأحق ما يجب اتباع قول الله فيه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (النحل: 43) فما عذر علماء مصر ورجال الدين فيها؟ وهذه الحكم تنتشر على صحائف جريدة المؤيد، وتعلق عليها الشروح الضافية على أنها أحاديث صحيحة. وكان يجوز أن نلتمس لهم بعض العذر لو بقيت هذه الأحاديث على صحائف التقويم بين جدران الغرف، ولكن الأمر قد شاع وذاع وكثر اللغط فيه. فهل لسيدي الأستاذ أن يتصدى للموضوع بباعه الطويل، وقلمه البليغ، لتنجاب عنا هذه الغيوم، وتبيد تلك الهموم؟. ابن منصور (ج) إنني لم أنظر تقويم الأوقاف إلا معلقًا على بعض الجُدُر من بعيد فلم أَرَ فيه شيئا من هذه الأحاديث، ولكني رأيت بعض ذلك في المؤيد، وقلت لأحد محرريه: إن كثيرًا منها لم يروهِ أحد من المحدثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف، وبعضها مروي فيجب على شارحها تمييز الحديث من غيره منها. وإطلاق اسم الأحاديث عليها غير جائز؛ إذ ليس لمسلم أن يعتد بعزو أحد حديثًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا إذا عزاه إلى بعض أئمة المحدثين أصحاب الدواوين المعروفة في تخريج الأحاديث أو وثق بعلمه بالحديث، سواء رأى هذا الحديث في جريدة أو كتاب أو سمعه من متكلم أو خطيب، فإننا كثيرًا ما نسمع من خطباء الجمعة الأحاديث الضعيفة والموضوعة والمحرفة حتى صار يضيق صدري من دخول المسجد لصلاة الجمعة قبل الخطبة الأولى أو في أثنائها، فمن سمع الخطيب يعزو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا يعلم أنه موضوع، يحار في أمره لأنه إذا سكت على هذا المنكر يكون آثمًا، وإذا أنكر على الخطيب جهرًا يخاف الفتنة على العامة، والواجب على مدير الأوقاف منع الخطباء من الخطابة بهذه الدواوين المشتملة على هذه الأحاديث أو تخريج أحاديثها إذا كانت الخطب نفسها خالية من المنكرات والخرافات والأباطيل وما أكثر ذلك فيها. وفي ص32 من فتاوى ابن حجر الحديثية أنه سئل عن خطيب يرقى المنبر كل جمعة، ويذكر أحاديث لا يبين مخرجيها ولا رواتها، وذكر السائل بعضها، وقال في ذلك الخطيب: إنه مع ذلك يدعي رفعة في العلم وسموًّا في الدين، فما الذي يجب عليه وما الذي يلزمه؟ فأجاب بما حاصله أنه لا يجوز له أن يروي الحديث من غير أن يذكر الرواة أو المخرجين إلا إذا كان من أهل المعرفة بالحديث أو بنقلها من كتبه قال: وأما الاعتماد في رواية الأحاديث على مجرد رؤيتها في كتاب ليس مؤلفه من أهل الحديث أو في خطب ليس مؤلفها كذلك - فلا يحل ذلك، ومن فعله عزر عليه التعزير الشديد. وهذا حال أكثر الخطباء فإنهم بمجرد رؤيتهم خطبة فيها أحاديث، حفظوها وخطبوا بها، كذا من غير أن يعرفوا أن لتلك الأحاديث أصلاً أم لا.
فيجب على حكام كل بلد أن يزجروا خطباءها عن ذلك.
ويجب على حكام بلد هذا الخطيب منعه من ذلك إن ارتكبه.
إلخ. وحاصل الجواب: أن ما طبع في تقويم الأوقاف من الأحاديث بعضها له أصل صحيح أو غير صحيح، وبعضها لا أصل له، بل هو حكم منثورة لبعض الحكماء والعلماء، وأنه لا ينبغي لمسلم أن يروي شيئا منه مسميًا إياه حديثًا نبويًّا إلا إذا علم ذلك بالرواية عن الثقات في علم الحديث أو برؤيته في بعض دواوين الحديث المشهورة كالصحيحين وكتب السنن، أو معزوًّا إلى هذه الكتب وأمثالها في مثل الجامع الصغير، وليعلم أنه ليس كل ما في كتب السنن وأمثالها كمسند الإمام أحمد من الأحاديث يصل إلى درجة الصحيح في اصطلاحهم، بل فيها الصحيح والحسن والضعيف، وفيها ما عده بعض المحدثين موضوعًا، فليس لمن رأى فيها أو فيما نقل عنها حديثًا لم يصرحوا بقولهم: إنه صحيح، أن يقول: هو حديث صحيح، وكذا ما يراه في كتب الفقه والأدب والمواعظ، فإن هذه الكتب يكثر فيها إطلاق الأحاديث بغير تخريج وكثير منها واهٍ وموضوع لا تحل روايته إلا للتحذير منه. ومن الكتب المتداولة التي تكثر فيها الأحاديث الموضوعة والشديدة الضعف كتاب (خريدة العجائب) وكتاب (نزهة المجالس) بل يوجد مثل ذلك في بعض الكتب الجليلة كإحياء علوم الدين للإمام الغزالي، وأكثر كتب التصوف لا يوثق بما فيها من الأحاديث. والعمدة: التخريج والتصريح بالتصحيح أو التحسين، فالمناوي يعزو الأحاديث في مسند الفردوس مثلاً ولا يشير إلى صحتها أو ضعفها، فليس لك أن تصحح شيئًا منها بغير علم، فإذا وضع بجانب الحديث (خ) أو (م) كان صحيحًا لعزوه إلى الصحيحين، وإذا وضع بجانبه (فر) أو (حل) كان في الغالب ضعيفًا وربما كان أقل من ذلك رتبة. هذا وإننا قبل طبع ما تقدم رأينا المؤيد يعبر عما ينقله عن تقويم الأوقاف بلفظ الحكم والحكمة، ولا يسميها كلها نبوية، فالظاهر أن الشارح لها في المؤيد صار يراجع ويميز بين الأحاديث المأثورة والحكم المنثورة، فنقترح عليه أن لا يذكر حديثًا مرفوعًا إلا معزوًّا إلى مخرِّجه، كما جرينا على ذلك في المنار منذ إنشائه.