أمنية إلاهة
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أحبّ إله في صباه إلاهة | جرى السحر في أعطافها والترائب |
تمنّت عليه آية لم يجىء بها | إله سواه في العصور الذواهب |
ليمسي على الأرباب أجمع سيّدا ، | وتمسي تباهي كلّ ذات ذوائب |
وكان إلها جامحا متضرّما | هوى، فأتى بالمعجزات الغرائب |
كسا الأرض بالزهر البديع لأجلها | ورصّع آفاق السما بالكواكب |
وما زال حتى علّم الطير ما الهوى | فحنّت وغنّت في الذّرى والمناكب |
وأنشأ جنات وأجرى جداولا | ومدّ المروج الخضر في كلّ جانب |
وشاء، فشاع العطر في الماء والضّيا | وفي كلّ صوت أو صدى متجاوب |
ومسّ الضّحى فارفضّ تبرا على الربى | وسال عقيقا في حواشي السباسب |
وقال لأحلام البحار تجسّدي | مواكب ألوان وجيش عجائب |
فكانت لآل في الشطوط ، وفي الفضا | غيوم، وموج ضاحك في الغوارب |
ولما رأى الأشياء أحسن ما ترى | وتّمت له دنيا بغير معايب |
دعاها إليه كي تبارك صنعة | ولم يدر أنّ الحبّ جمّ المطالب |
فقالت له : أحسنت! أحسنت مبدعا | فيا لك ربّا عبقريّ المواهب |
ولكنّ لي أمنية ما تحقّقت | إذا لم تنلنيها فما أنت صاحبي! |
****** | |
فدنياك هذي على حسنها | وسحر مشاهدها والصور |
تشاركني سائر الآلهات | لذاذاتها ونساء البشر |
أريد دنيا فيها شعاع | يبقي أذا غابت النجوم |
أريد دنيا تحسّ نفسي | فيها نفوسا بلا جسوم |
أريد خمرا بلا كؤوس | من غير ما تنبت الكروم |
أريد عطرا بلا زهور | يسري وإن لم يكن نسيم |
وزادت فقالت: أريد أنينا | يشوّش روحي ولا محتضر |
وماء يموج ولا جدول، | ونارا بلا حطب تستعر |
فأطرق ذاك الاله الفتيّ | وفي نفسه ألم مستتر |
وقال امهليني ثلاث ليال | أذلّل فيها المراد العسر! |
وراح يجوب رحاب الفضاء | يحدوه شوق ويدعوه سر |
فسال مع الشمس فوق الربى | وغلغل في الحندس المعتكر |
وأصغى إلى نسمات المروج | وأصغى إلى نفحات الزّهر |
وبعد ثلاث ليال أتاها | فظنته جاء لكي يعتذر |
فقال وجدت الذي تطلبين | لدي شاعر ساحر مبتكر |
وأخرج خيطا قصير المدى | بلون التراب ولين الشّعر |
فلما رأته عراها الأسى | وغوّر إيمانها واندثر |
فصاحت بغيط: أتسخر مني؟ | إذن فاحمل العار، او فانتحر! |
أجاب رويدّك ، يا ربّتي | فما في التعجّل إلاّ الضرر! |
وشدّ إلى آلة خيطه | ودغدغه صامتا في حذر |
ففاضت خمور ، وسالت دموع، | وشعّت بروق، ولاحت صور! |
فصاحت به وهي مدهوشة: ألا إنّ ذا عالم مختصر! | |
فيا ليت شعري ماذا يسمّى؟ | فقال لها: إن هذا الوتر! |