أرشيف المقالات

شرح دعاء القنوت

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
شرح دعاء القنوت
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن من أفضل العبادات والقربات والطاعات التي يتقرب بها العبد لخالقه سبحانه وتعالى دعاءه والتوجه إليه سبحانه، وسؤال العبد ربَّه وطلبه حاجاته كلَّها مع الخضوع والتذلل والخشوع له سبحانه وتعالى، فليس شيءٌ أكرمَ على الله تعالى من الدعاء.
 
ومعنى الدعاء لغةً: مصدر دعوتُ الله تعالى أدعوه دعاءً ودعوى؛ أي: ابتهلت إليه بالسؤال، ورغبت فيما عنده من الخير، وهو بمعنى النداء.
 
ومفهوم الدعاء اصطلاحًا: هو سؤال العبد ربَّه جل وعلا الدالَّ على الطلب للحاجات مع الخضوع والتذلل والخشوع لربِّ البريَّات سبحانه وتعالى.
 
وينقسم الدعاء بوجه عام إلى قسمين:
دعاء المسألة: هو أن يطلب الداعي ما ينفعه، وما يكشف عنه الضر.
 
ودعاء العبادة: وهو الدعاء الشامل لجميع القربات الظاهرة والباطنة؛ لأنَّ المتعبِّد لله تبارك وتعالى طالب وداعٍ بلسان مقاله ولسان حاله يرجو ربَّه سبحانه وتعالى قبول تلك العبادة، والإثابة عليها، فهو العبادة بمعناها الشامل.
 
قال المفسِّر عبدالرحمن السعدي: «كلُّ ماورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله تعالى والثناء على الداعين، يتناول دعاء المسألة، ودعاء العبادة».
 
ولقد أمرنا ربُّنا تبارك وتعالى بأن ندعوه ونتوجَّه إليه سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60].
 
وقال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].
 
ولا شكَّ أنَّ الدعاء هو العبادة كما ورد ذلك عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: «الدُّعاءُ هو العبادةِ»، ثم قرأ: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60].
 
وليس شيءٌ أكرمَ على الله تبارك وتعالى من الدعاء، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليسَ شيءٌ أَكْرَمَ على اللَّهِ تعالى منَ الدُّعاءِ»؛ «أخرجه الترمذي (3370)، وابن ماجه (3829)، وأحمد (8748)، الألباني، صحيح الترمذي (3370) حسن».
 
ومن كرم الله تبارك وتعالى وفضله على عباده أنه سبحانه يَستحْيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا خائبتين.
ففي الحديث عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ ربَّكم حَيِيٌّ كريمٌ، يَستحْيي مِن عبدِه إذا رفَع يدَيْه إليه أنْ يرُدَّهما صفرًا»؛ «تخريج سنن أبي داود (1488) صحيح، شعيب الأرنؤوط».
 
ومما يدلُّ على مكانة دعاء الله تبارك وتعالى ومنزلته، كونه يردُّ القضاءَ، ففي الحديث عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يردُّ القضاءَ إلَّا الدُّعاءُ، ولا يزيدُ في العمرِ إلَّا البرُّ»؛ «ابن حجر العسقلاني، هداية الرُّواة (2/409)، [حسن كما قال في المقدمة]، أخرجه الترمذي (2139)، والبزار (2540)، والطبراني (6/251) (6128)».
 
ولا شكَّ أنَّ للدعاء أهميةً كبيرةً، وثمرات جليلة، وفضائل عظيمة، وأسرار بديعة، ومنها:
• إنَّ الدعاء طاعةٌ لله تبارك وتعالى وامتثالٌ لأمره عز وجل: قال الله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، وقال الله تعالى: ﴿ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [الأعراف: 29]، وقال الله تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [الأعراف: 55]، وقال الله تعالى: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 110]، فالداعي مطيع لله سبحانه وتعالى، مستجيب لأمره جلَّ ثناؤه.
 
• الدعاء عبادة: لقول الله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].
 
ففي الحديث عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدُّعاءُ هو العبادةِ»؛ «أخرجه أبو داود (1479)، والترمذي (2969)، وابن ماجه (3828)، النووي، الأذكار للنووي (478) إسناده صحيح».
 
• والدعاء فيه السلامة من الكبر: قال الله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، بمعنى: وقال ربكم -أيها العباد-: ادعوني وحدي وخصُّوني بالعبادة أستجب لكم، إنَّ الذين يتكبَّرون عن إفرادي بالعبودية والألوهية، سيدخلون جهنم صاغرين حقيرين.
 
إلى غير ذلك من ثمرات الدعاء وأهميته وأسراره وفضائله الواردة في الكتاب والسنة.
 
ولقد علَّم النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا رضي الله عنه كلماتٍ يقولها في الوتر من صلاته، ففي الحديث عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهمَّ اهدِنا فيمَن هدَيت، وعافِنا فيمَن عافيت، وتولَّنا فيمَن تولَّيت، وباركْ لنا فيما أعطيت، وقِنا شرَّ ما قضيت، إنك تَقضي ولا يُقضى عليكَ، إنه لا يَذِلُّ مَن والَيت، ولا يَعزُّ مَن عاديت، تباركت ربَّنا وتعالَيت»؛ «أخرجه أبو داود (1425)، والترمذي (464)، والنسائي (1745) وابن ماجه (1178)، وأحمد (1718) باختلاف يسير، وإرواء الغليل، الألباني (429) صحيح».
 
وفي رواية عن الحسنِ بنِ عليٍّ رضيَ الله عنْهما، قال: «علَّمني رسولُ الله صلى عليْهِ وسلَّمَ كلماتٍ أقولُهنَّ في الوترِ - قالَ ابنُ جوَّاسٍ في قنوتِ الوترِ-: اللَّهمَّ اهدِني فيمن هديت، وعافِني فيمن عافيتَ، وتولَّني فيمن تولَّيتَ، وبارِك لي فيما أعطيتَ، وقني شرَّ ما قضيتَ، إنَّكَ تقضي ولا يقضى عليْكَ، وإنَّهُ لا يذلُّ من واليتَ، ولا يعزُّ من عاديتَ، تبارَكتَ ربَّنا وتعاليتَ»؛ «صحيح أبي داود، الألباني (1425)».
 
وفي هذا الحديثِ العظيم بَيانٌ لأحَدِ الأدعيةِ الَّتي علَّمَها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنه؛ حيث يَقولُ الحسَنُ بنُ عليٍّ رضي اللهُ عنهما: «علَّمَني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كلماتٍ»، والمقصودُ بهِنَّ أدعِيَةٌ مخصوصةٌ، «أَقولُهنَّ في الوِتْرِ»، وهو آخِرُ ركعةٍ مِنَ الرَّكعاتِ التي تُختَمُ بها صلاةُ اللَّيلِ، قال ابنُ جَوّاسٍ- أحدُ رُواةِ الحديثِ-: «في قُنوتِ الوِتْرِ».
والقنوت: بالتاء هو: الدعاء والطاعة، وهو السكوت، ويأتي أيضًا بمعنى طول القيام في الصلاة.
وقنت الرجل؛ أي: دعا على عدوِّه، وقنت؛ أي: أطال القيام في صلاته.
وللقنوت معاني متعددة، ومنها دوام الطاعة، ومنها الخشوع، ومنها السكوت.
 
والمَعْنى: علَّمَني النبي صلى الله عليه وسلم دُعاءً أدْعو به في صلاةِ الوِتْرِ مِن صلاةِ اللَّيلِ، وهذا الدُّعاءُ هو: «اللَّهمَّ اهْدِني فيمَن هدَيتَ»، بمعنى: يا ربِّ، أسألُك أن تَرزُقَني الهدايةَ، وأن تدلَّني على الحق، وتوفقني للعمل به، وأنْ تُثبِّتَني عليه، وزدني من أسباب الهداية للوصول لأعلى المراتب، وأن تَجعَلني مِن جملة الَّذين هدَيتَهم من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام والأولياء والصالحين وغيرهم، فإنَّ ذلك من مقتضى رحمتك وحكمتك ومن سابق فضلك؛ فإنك قد هديت أناسًا آخرين.
 
ويشمل هذا الدعاء نوعي الهداية: هداية العلم وهداية العمل، كما في قوله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ [الفاتحة: 6]؛ أي: دلنا وأرشدنا، ووفقنا للصراط المستقيم، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله تبارك وتعالى، وإلى جنته، وهو معرفة الحق والعمل به، فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط.
فالهداية إلى الصراط: لزوم دين الإسلام، وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط، تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علمًا وعملًا.
فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد؛ ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته؛ لضرورته إلى ذلك.
 
وقوله:‏ «وعافِني فيمَن عافَيتَ»، بمعنى: ارزُقْني العافيةَ والمُعافاةَ، وقني وجنبني السُّوءَ، وعافني من أسوأ الأدواء والأخلاق والأهواء، وأدخِلْني فيمَن عافَيتَهم، وعافنا يا ربَّنا من أمراض القلوب وأمراض الأبدان.
 
وأمراض القلوب تشمل أمرين:
الأول: أمراض الشهوات التي منشؤها الهوى: وهو أن يعرف الإنسان الحق، لكن لا يريده؛ لأنَّ له هوًى مخالفًا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلَّم.
 
الثاني: أمراض الشبهات التي منشؤها الجهل؛ لأنَّ الجاهل يفعل الباطل يظنُّه حقًّا، وهذا مرض خطير جدًّا؛ فأنت تسأل الله تبارك وتعالى المعافاة والعافية من أمراض الأبدان، ومن أمراض القلوب التي تشمل أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات.
 
وقوله: ‏«وتَولَّني فيمَن تولَّيتَ»، بمعنى: تَولَّ أمري كلَّه، ولا تَجعَلْني أركَنُ إلى نفْسي، ولا تكلني إلى نفسي، وأدخِلْني في جملةِ مَن تفَضَّلتَ عليهم بذلك، وكن يا ربَّنا وليًّا لنا الولاية الخاصة التي تقتضي العناية بمن تولَّاه الله عزَّ وجلَّ والتوفيق لما يحبه ويرضاه سبحانه وتعالى.
 
وقوله: ‏«وبارِكْ لي فيما أعطيتَ»، بمعنى: وأسألُكَ البَركةَ فيما أعطيتَه لي ورزقتَني به من كلِّ شيءٍ، وأنزل لي البركة فيما أعطيتني، وأكثر الخير لي لمنفعتي، والبركة هي: الخيرات الكثيرة الثابتة.
 
وقوله: «فيما أعطيت»: بمعنى: أعطيت من المال والولد والعمر والعلم وغير ذلك مما أعطى الله عزَّ وجلَّ، فتسأل الله تبارك وتعالى البركة فيه؛ لأنَّ الله تبارك وتعالى إذا لم يبارك لك فيما أعطاك، حُرمت خيرًا كثيرًا.
 
فكثير ممن عندهم مال كثير لكنهم في عداد الفقراء؛ لأنهم لا ينتفعون بمالهم، يجمعونه ولا ينتفعون به.
وهذا من نزع البركة، كثير من الناس عنده أولاد؛ لكن أولاده لا ينفعونه لما فيهم من عقوق، وهؤلاء لم يُبَارَكْ لهم في أولادهم.
 
حتى إنك تجد بعض الناس أعطاه الله تبارك وتعالى علمًا كثيرًا، ولكن لا يظهر أثر العلم عليه في عبادته، ولا في أخلاقه، ولا في سلوكه، ولا في معاملته مع الناس؛ بل قد يُكْسِبه العلم استكبارًا على عباد الله تبارك وتعالى، وعلوًّا عليهم، واحتقارًا لهم، والعياذ بالله تعالى.
 
وقوله: «وقِني شرَّ ما قضَيتَ»، بمعنى: ممَّا قدَّرتَه، وليس في ذلك نِسبةُ الشَّرِّ إلى اللهِ سُبحانَه؛ بل هذا من بابِ نِسبةِ الشَّرِّ إلى مُقتضَياتِه مِن فقرٍ ومرَضٍ وإقامةِ حَدٍّ، وغيرِ ذلك، وهذه المقتَضَياتُ عند التَّأمُّلِ ليسَتْ شرًّا خالصًا؛ فقَطعُ يدِ السَّارقِ مثلًا بالنِّسبةِ للسَّارقِ يرى أنَّ هذا شرٌّ؛ ولكن بالنَّظرِ إلى أنَّها كَفَّارةٌ له كفردٍ، وأنَّها زجرٌ له ولباقي المجتمعِ، وحِفظٌ له؛ فهي خيرٌ؛ فإنَّ اللهَ سُبحانَه -لأنَّه خالقُ كلِّ شَيءٍ وخالِقُ الخَيرِ والشَّرِّ- فقضاؤُه كلُّه خيرٌ، وجميعُ الأمورِ مِن حيثُ نِسبتُها إلى اللهِ تعالى خيرٌ، فلا يُنسَبُ إليه شَرٌّ؛ لكمالِ حِكمتِه وعَظيمِ رَحمتِه سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلَّم فيما أثنى به على ربِّه سبحانه وتعالى: «والخير بيديك والشر ليس إليك»؛ لهذا لا يُنسب الشرُّ إلى الله سبحانه وتعالى.
 
وقوله: «إنَّك تَقْضي ولا يُقضى عليك»، بمعنى: تَحكُمُ بما تَشاءُ وتُقدِّرُه ولا مُعقِّبَ لحُكمِك وقَضائِك، فالله عزَّ وجلَّ يقضي قضاءً شرعيًّا وقضاء كونيًّا، فالله تعالى يقضي على كلِّ شيء وبكلِّ شيء؛ لأنَّ له الحكم التام الشامل سبحانه وتعالى.
 
«ولا يُقضى عليك»، بمعنى: لا يقضي عليه أحد، فالعباد لا يحكمون على الله تعالى، والله تعالى يحكم عليهم، العباد يُسألون عما عملوا، وهو لا يُسأل، قال الله تعالى: ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23].
 
وقوله: «وإنَّه لا يَذِلُّ مَن والَيْتَ»، بمعنى: لا يصير ولا يَكونُ ذَليلًا من واليتَه وقرَّبتَه يا ربَّنا؛ بل يَكونُ عزيزًا، فإذا تولَّى الله تبارك وتعالى الإنسان فإنه لا يَذِلُّ أبدًا، وإذا عادى الله تبارك وتعالى الإنسان فإنه لا يَعِزُّ أبدًا، ومقتضى ذلك أننا نطلب العزَّ من الله سبحانه وتعالى، ونتقي من الذلِّ بالله عزَّ وجلَّ، فلا يمكن أن يُذلَّ أحد والله تعالى وليُّه.
 
وقوله: «ولا يَعِزُّ مَن عادَيْتَ»، بمعنى: مَن كان عدوًّا للهِ تبارك وتعالى لا يَعِزُّ، فلا يعز في الدنيا ولا في الآخرة؛ بل حاله الذل والخسران والفشل -والعياذ بالله تعالى- حتى إن أعطي من نعيم الدنيا وملكها ما أعطي لكونه لم يمتثل أوامرك ولم يجتنب نواهيك؛ ولهذا لو تمسَّك المسلمون بعز الإسلام، لم يكن للكفار ليتسلطوا عليهم؛ لأن أكثر المسلمين اليوم مع الأسف لم يعتزوا بدينهم، ولم يأخذوا بتعاليم الدين، وركنوا إلى الدنيا، وزخارفها؛ ولهذا أصيبوا بالذل، فصار الكفار في نفوسهم أعزَّ منهم، نسأل الله تعالى السلامة والعفو والعافية.
 
وقوله: «تَباركتَ ربَّنا»، بمعنى: تكاثر خيرك في الدارين، ووسعَت رحمتُك الخَلقَ، وهذا فيه ثناءٌ على الله عزَّ وجلَّ، فكثرت خيراتك يا ربَّنا وعمَّت ووسعَت الخلق؛ لأنَّ البركة هي الخير الكثير الدائم.
 
وقوله: «وتَعالَيتَ»، بمعنى: ارتفَعْتَ وتنَزَّهتَ عمَّا لا يَليقُ بكَمالِك وجَلالِك، وارتفعت يا ربَّنا عظمتك، وظهر قهرك وقدرتك على من في الكون.
 
«وتعاليت» من العلو الذاتي؛ أي: عليٌّ بذاته سبحانه وتعالى فوق جميع الخلق، والعلو الوصفي؛ أي: إنَّ الله تبارك وتعالى له من صفات الكمال أعلاها وأتمُّها، وأنه لا يمكن أن يكون في صفاته نقص بوجه من الوجوه سبحانه وتعالى.
 
ويدلُّ ظاهر الحديث على أنَّ أفضل وخير وأكمل وأحسن ما يَدْعو به الإنسانُ هو ما جاء وورد عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وفيه كذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الدعاء بجوامع الكلم التي تحتوي على الدعاء الجامع الخالص النافع الشامل لخيرَي الدنيا والآخرة.
 
هذا ما تمَّ إيراده، نسأل الله العلي الأعلى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن ينفع بما كُتب، وأن يجعله من العلم النافع والعمل الصالح، والحمد لله ربِّ العالمين.
 
المصادر والمراجع:
1.
القرآن الكريم.
2.
‏صحيح البخاري، للإمام محمد بن إسماعيل البخاري.
3.
‏صحيح مسلم، للإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري.
4.
‏مسند الإمام أحمد، أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني.
5.
‏سنن أبي داود، سليمان بن الأشعث السجستاني.
6.
‏سنن الترمذي، الحافظ أبو عيسى محمد الترمذي.
7.
‏السنن الكبرى، لأبي عبدالرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي.
8.
‏الأذكار، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي.
9.
‏المعجم الكبير، للإمام سليمان بن أحمد بن أيوب الشامي الطبراني.
10.
‏هداية الرواة إلى تخريج أحاديث المصابيح والمشكاة، للإمام أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني.
11.
‏تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، المحدث عبدالرحمن المباركفوري.
12.
‏عون المعبود شرح سنن أبي داود، المحدث محمد شمس الحق العظيم آبادي.
13.
‏إرواء الغليل في تخرج أحاديث منار السبيل، المحدث محمد ناصر الدين الألباني.
14.
‏صحيح أبي داود، المحدث محمد ناصر الدين الألباني.
15.
‏صحيح الترمذي، المحدث محمد ناصر الدين الألباني.
16.
‏صحيح ابن ماجه، المحدث محمد ناصر الدين الألباني.
17.
‏تخريج سنن أبي داود، شعيب الأرناؤوط.
18.
‏موسوعة الدرر السنية.
19.
‏تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الشيخ عبدالرحمن السعدي.
20.
‏شرح العلامة محمد صالح العثيمين.
21.
‏المختصر في التفسير، مركز تفسير.
22.
‏التفسير الميسر، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢