الشاعر
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
قالت وصفت لنا الرحيق و كوكبها | و صريعها و مديرها و العاصرا |
و الحقل و الفلّاح فيه سائرا | عند المسا يرعى القطيع السائرا |
ووقفت عند البحر يهدر موجه | فرجعت بالألفاظ بحرا هادرا |
صوّرت في القرطاس حتى الخاطرا | فخلبتنا و سحرت حتى الساحرا |
و أريتنا في كلّ قفر روضة | و أريتنا في كلّ روض طائرا |
لكن إذا سأل امروء عنك امرءا | أبصرت محتارا يخاطب حائرا |
من أنت يا هذا ؟ فقلت لها : أنا | كالكهرباء أرى خفيّا ظاهرا |
قالت : لعمرك زدت نفسي ضلّة | ما كان ضرّك لو وصفت الشاعرا ؟ |
... | |
فأجبتها : هو من يسئل نفسه | عن نفسه في صبحه و مسائه |
و العين سرّ سهادها و رقادها | و القلب سرّ قنوطه و رجائه |
فيحار بين مجيئه و ذهابه | و يحار بين أمامه وورائه |
و يرى أفول النجم قبل أفوله | و يرى فناء الشيء قبل فنائه |
و يسير في الرّوض الأغنّ فلا ترى | عيناه غير الشوك في أرجائه |
إن نام لم ترقد هواجس روحه | و إذا استفاق رأيته كالتائه |
ما إن يبالي ضحكنا و بكاءنا | و يخيفنا في ضحكه و بكائه |
كالنار يلتهم العواطف عقله | فيميتها و يموت في صحرائه |
... | |
قالت : أتعرف من وصفت ؟ فقلت : من ؟ | قالت : وصفت الفيلسوف الكافرا |
يا شاعر الدنيا و فيك حصافة | ما كان ضرّك لو وصفت الشاعرا ؟ |
... | |
فقلت : هو امروء يهوى العقارا | كما يهوى مغازلة العذارى |
إذا فرغت من الرّاح الدنان | توهّم أتنّما فرغ الزّمان |
يعاقرها على ضوء الدّراري | فإن غربت ، على ضوء النّهار |
و يحسب مهرجان النّاس مأتم | بلا خمر ، و جنّتهم جهنّم |
ملول لا يدوم على ولاء | و لكن لا يدوم على عداء |
أخو لبّ و لكن لا إرادة | وذو زهد و لكن بالزهاده |
يميل إلى الدّعابة و المزاح | و لو بين الأسنّة و الصّفاح |
و يوشك أن يقهقه في الجنازة | و يرقص كالعواصف في المفازه |
إذا بصرت به عين الأديب | فقد وقعت على رجل مريب |
يعنّفه الصّحاب فلا ينيب | و يزجره المشيب فلا يتوب |
فقالت : جئت بالكم البديع | و لكن ما وصفت سوى " الخليع " |
... | |
و خفت إعراضها عنّي فقلت : إذن | هو الذي أبدا يبكي من الزمن |
كأنّما ليس في الدنيا سواه فتى | معرّض لخطوب الدّهر و المحن |
يشكو السّقام و ما في جسمه مرض | و السّهد و هو قريب العهد بالوسن |
و الهجر ، و هو بمرأى من أحبّته | و الأسر ، و هو طليق الروح و البدن |
و لا يرى حسنا في الأرض يألفه | أو يشتهيه و كم في الأرض من حسن |
ينوح في الرّوض و الأشجار مورقه | كما ينوح على الأطلال و الدمن |
فقاطعتني : و قالت : قد بعدت بنا | ما ذي الصفات الشاعر الفطن |
... | |
قلت : مهلا إذا ضللت و عذرا | ربّما أخطأ الحكيم و ضلّا |
هو من ترسم الجمال يداه | فنراه في الطرس أشهى و أحلى |
لوذعيّ الفؤاد يلعب بالأل | باب لعبا إن شاء أن يتسلى |
و يرينا ما ليس يبقى سيبقى | و يرينا ما ليس يبلى سبيلي |
يطبع الشّهب للأنام نقودا | و هو يشكو الإملاق كيف تولّى |
أفما ذا من تبتغين و أبغي | و صفه ؟ قالت المليحة : كلا ! .. |
... | |
يا هذه إنّي عييت بوصفه | و عجزت عن إدراك مكنوناته |
لا تستطيع الخمر سر صفاتها | و الروض وصف زهوره و بناته |
هو من نراه سائرا فوق الثرى | و كأنّ فوق فؤاده خطواته |
إن ناح فالأرواح في عبراته | و إذا شذا فالحبّ في نغماته |
يبكي مع النائي على أوطانه | و يشارك المحزون في عبراته |
و تغيّر الأيام قلب فتاته | و يظلّ ذا كلف بقلب فتاته |
هو من يعيش لغيره و يظنّه | من ليس يفهمه يعيش لذاته !!! |