لم يبق غير الكأس
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
لم يبق ما يسليك غير الكأس | فاشرب، ودع للناس ما للناس! |
ذهب الشباب على الشجون تبثّها | لأخ مؤاس أو لغير مؤاس |
وعلى الحياة تحار في أطوارها | وتحار في تعليل كلّ نطاسي |
ثم استفقت وليس في روض المنى | إلاّ الصباب وغير شوك الياس |
وجراحُ نفسٍ ينظر الآسي لها | فيعود محتاجا لآخر آس |
ألحسّ مجلبة الكآبة والأسى | قم ننطلق من عالم الإحساس |
وأرى السعادة لا وصول لعرشها | إلاّ بأجنحة من الوسواس |
فكأنّما هي صورة زيتيّة | للشط فيه مراكب ومراسي |
تبدو لعينيك السفائن عوّما | وتكاد تسمع رعشة الأمراس |
لكن إذا أدنتها ولمستها | لم تلق غير الصبغ والقرطاس |
دنيا مزّيفة ودهر ماذق | ما في انفلاتك منهما من باس |
إنّ اللذاذات التي ضيّعتها | رجعت إليك عصارة في الكاس |
فاصبغ رؤاك بها تعد ذهبيّة | عطريّة الألوان والأنفاس |
واخلق لنفسك بالمدامة جنّة | في الأربُع المهجورة الأدراس |
ألحبّ فيها بلبل وخميلة | وندّى وأضواء على الأغراس |
للقصر يخلقه خيالك روعة | كالقصر من جذور ومن آساس |
يا أيها الساقي أدر كاساتها | كمشاعل الرهبان في الأغلاس |
وانس الهموم فليس يسعد ذاكر | واسق النجوم فإنها جلاّسي |
واصرع بها عقل النديم ولبّه | ما نغّص الحاسي كعقل الحاسي |
واهجر أحاديث السياسة والألى | يتعلّقون بحبل كلّ سياسي |
إني نبذت ثمارها مذ ذقتها | ووجدت طعم الغدر في أضراسي |
وغسلت منها راحتي فغسلتها | من سائر الأوضار والأدناس |
وتركتها لاثنين: غرّ ساذج | ومشعوذ كذبذب دّساس |
يرضى لموطنه يصير مُواطنا | وتصير أمتّه إلى أجناس |
ويبيعها بدراهم معدودة | ولو انها جاءت من الخنّاس |
ما للمنافق من ضمير رادع | أيّ الضمير لحيّة الأجراس؟ |
ولربّ قائلة تعاتبني على | صمتي وبعض القول حزّ مواسي: |
اِثنان ما لاقيت أقسى منهما | صمت الدجى والشاعر الحسّاس |
فأحبتها: أقسى وأهول منهما | في مسمعي هذا العتاب القاسي |
لم تعلمي، والخير أن لا تعلمي، | كم في السكوت فواجعا ومآسي |
قالت: أظنك قد نسيت . فقلت: لا | ما كنت بالناسي ولا المتناسي |
لكنّ جرحا كلّما عالجته | غمر القنوط جوارحي وحواسي |
ولو أنّه في الرأس كنت ضمدته | لكنّه في القلب لا في الراس |
إنّ الألى قد كنت أرمى دونهم | غلّوا يديّ وحطّموا أقواسي |
واستبدلوا سيفي الجراز بأسيف | خشب وباعوا عسجدي بنحاس |
والطلّ غير الماس ، إلا أنهم | خدعوا برقرقة النّدى عن ماسي |
وإذا حسبت الروض تغني صورة | عنه فذلك منتهى اللإفلاس |
أسد الرّخام وإن حكى في شكله | شكل الغضنفر ليس بالفرّاس |
قد كان لي حلم جميل مونق | فأضعته لّما أضعت نعاسي |
فكّرت في ما نحن فيه كأمّة | وضربت أخماسي إللى أسداسي |
فرجعت أخيب ما يكون مؤمّل | راج وأخسر ما يكون الخاسي |
نرجو الخلاص بغاشم من غاشم | لا ينقذ النخّاس من نخّاس |
ونقيس ما بين الثّريا والثرى | وأمورنا تجري بغير قياس |
نغشى بلاد الناس في طلب العلى | وبلادنا متروكة للناس |
نكاد نفترش الثرى وبأرضنا | للأجنبّي موائد وكراسي |
وتلوح هاجرها على نسيانه | واللائم الناسين أوّل ناسي |
ونبيت نفخر بالصورام والقنا | ورقابنا ممدودة للفاس |
كم صيحة للدهر في آذاننا | مرّت كما مرّت على أرماس |
تفنيك أوجههم وحسن خلاقهم | عن كلّ ورد في الروض وآس |
أنا بينهم أسد وجدت عرينتي | أنا بينهم ظبي وجدت كناسي |
وطني أحبّ إلّي من كلّ الدّنى | وأعزّ ناس في البرية ناسي |
فلتحي سوريا التي نحيا لها | وليحي لبنان الأشم الراس |