البدر الآفل
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أبعدك يعرف الصّبر الحزين | وقد طاحت بهجته المنون ؟ |
رمتك يد الزمان بشرّ سهم | فلمّا أن قضيت بكى الخؤون |
رماك و أنت حبّه كلّ قلب | شريف ، فالقلوب له رنين |
و لم يك للزمان عليك ثار | و لم يك في خلالك ما يشين |
و لكن كنت ذا خلق رضيّ | على خلق لغيرك لا يكون |
و كنت تحيط علما بالخفايا | و تمنع أن تحيط بك الظنون |
كأنّك قد قتلت الدّهر بحثا | فعندك سرّه الخافي مبين |
حكيت البدر في عمر و لكن | ذكاؤك لا تكوّنه قرون |
عجيب أن تعيش بنا الأماني | و أنّا للأماني نستكين |
و ما أرواحنا إلاّ أسارى | و ما أجسادنا إلاّ سجون |
و ما الكون مثل الكون فان | كما تفنى الدّيار كذا القطين |
لقد علقتك أسباب المنايا | وفيّا لا يخان و لا يخون |
أيدري النعش أيّ فتى يواري | و هذا القبر أيّ فتى يصون ؟ |
فتى جمعت ضروب الحسن فيه | و كانت فيه للحسنى فنون |
فبعض صفاته ليث و بدر | و بعض خلاله شمم و لين |
أمارات الشّباب عليه تبدو | و في أثوابه كهل رزين |
ألا لا يشمت الأعداء منّا | فكلّ فتى بمصرعه رهين |
... | |
أيا نور العيون بعدت عنّا | و لمّا تمتليء منك العيون |
و عاجلك الحمام فلم تودّع | و بنت و لم يودّعك القرين |
و ما عفت الوداع قلى و لكن | أردت و لم يرد دهر ضنين |
فيا لهفي لأمّك حين يدوّي | نعيّك بعد ما طال السّكون |
و لهف شقيقك النّائي بعيدا | إذا ما جاءه الخبر اليقين |
ستبكيك الكواكب في الدّياجي | كما تبكيك في الرّوض الغصون |
و يبكي أخوة قد غبت عنهم | و أمّ ثاكل و أب حزين |
فما تندى لنا أبدا ضلوع | عليك ، و ما تجفّ لنا شؤون |
قد ازدانت بك الفتيان طفلا | كما يزدان بالتّاج الجبين |
ذهبت بزينه الدّنيا جميعا | فما في الدهر بعدك ما يزين |
و كنت لنا الرجاء فلا رجاء | و كنت لنا المعين فلا معين |
أبعدك ، يا أخي ، أبغي عزاء | إذا شلّت يساري و اليمين ؟ |
يهون الرزء إلاّ عند مثلي | بمثلك فهو رزء لا يهون |
عليك تقطّع الحسرات نفسي | و فيك أطاعني الدّمع الحرون |
فملء جوانحي حزن مذيب | و ملء محاجري دمع سخين |
و ما أبقى المصاب على فؤادي | فأزعم أنّه دام طغين |
يذود الدمع عين عيني كراها | و تأبى أن تفارقه الجفون |
لقد طال السّهاد و طال ليلي | فلا أدري الرّقاد متى يكون |
كأنّ الصبح قد لبس الدّياجي | عليك أسى لذلك ما يبين |
جزاك الله عنّا كلّ خير | و جاد ضريحك الغيث الهتون |