في فراش المرض
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
مرضت فأرواح الصّحاب كئيبة | بها ما بنفسي ، ليت نفسي لها فدى |
ترفّ حيالي كلّما أغمض الكرى | جفوني جماعات و مثنى و موحدا |
تراءى فآنا كالبدور سوافرا | و آونة مثل الجمان منضّدا |
و طورا أراها حائرات كأنّها | فراقد قد ضيّعن في الأرض فرقدا |
و طورا أراها جازعات كأنّما | تخاف مع الظلماء أن تتبدّدا |
أحنّ إليها رائحات و عوّدا | سلام عليها رئحات و عوّدا |
تهشّ إليها مقبلات جوارحي | كما طرب السّاري رأى النور فاهتدى |
و ألقي إليها السّمع ما طال همسها | كذلك يسترعي الأذان الموحّدا |
و يغلب نفسي الحزن رحيلها | كما تحزن الأزهار زايلها الندى |
كرهت زوال اللّيل خوف زوالها | و عوّدت طرفي النوم حتى تعوّدا |
و لو أنّها في الصحو تطرق مضجعي | حميت الكرى جفني و عشت مسهّدا |
و لو لم تكن تعتاد منّي مثلما | خيالاتها همّت بأن تتقيّدا |
فيا ليتني طيف أروح و أغتدي | و يا ليتها تستطيع أن تتقيّدا |
نحلت إلى أن أنكر صورتي | و أخشى لفرط السقم أن أتنهّدا |
مبيتي على الوثير ليانه | و أحسبني فوق الأسنّة و المدى |
كأنّ خيوط المهد صارت عقاربا | كأن وسادي قد تحوّل جلمدا |
لقد توشك الحمّى ، إذ جدّ جدّها | تقوّم من أضلاعي المتأوّدا |
تصوّر لي الخيال حقيقة | و أحسب شخصا واحدا متعدّدا |
لقد ضعضعتني ، و هي سر ، و لم يكن | يضعضعني صرف الزمان إذا عدا |
إذا ما أنا أسندت رأسي إلى يدي | رمتني منها بالّذي يوهن اليدا |
تغلغل في جسمي النحيل أوارها | فلو لم أقدّ الثوب عنه توقّدا |
رأيت الذي لم يبصر الناس نائما | و طفت الدنى شرقا و غربا موسّدا |
يقول النطاسي لو تبلّدت ساعة | تبلّدت لو أنّي أطيق التبلّدا |
تهامس حولي العائدون ورجّموا | و عنّف بعض الجاهلين و فنّدا |
فما ساءني شماتة معشر | رجوت بهم عند الشدائد مسعدا |
أسأت إليهم ، بل أساؤوا فإنّني | ظننتهم شراوي خلقا و محتدا |
أحبّ الضّنى قوم لأنّي ذقته | و أحببته كما يحبّ و يحسدا |
وودّ أناس لو يعاجلني الردى | كأنّي أرجو فيهم أن أخلّدا |
و ما ضمنوا أن لا يموتوا و إنّما | يودّ زوال الشمس من كان أرمدا |
إذا اللّيل أعياه مساجله الضحى | تمنّى لو أنّ الصبح أصبح أسودا |
على أنّني والداء يأكل مهجتي | أرى العار ، كلّ العار ، أن أحسد العدى |
فإنّ الذي بالجسم لا بدّ زائل | و لكنّ ما بالطبع ينفك سرمدا |
لئن أجلب الغوغاء حولي و أفحشوا | فكم شتموا موسى و عيسى و أحمدا |
و لا عجب أن يبغض الحرّ جاهل | متى عشق البوم الهزار المغرّدا ؟ |
و إنّي في كبت العداة و كيدهم | كمن يسلك الدرب القصير المعبّدا |
و لكنّني أعفو و للغيظ سورة | أعلّم أعدائي المروءة و الندى |
ألا ربّ غرّ خامر الشك نفسه | فلمّا رآني أبصر البحر مزبدا |
فأصبح يخشاني و قد بتّ ساكتا | كما كان يخشاني وقد كنت منشدا |
و يرهب إسمي أن يطيف بسمعه | كما تتّقي الدرداء حرفا مشدّدا |
و من نال منه السيف و هو مجرّد | تهيّب أن يرنو إلى السيف مغمّدا |
أحبّ الأبي الحر لا ودّ عنده | و أقلى الذليل النفس مهما تودّدا |
و بين ضلوعي قلّب ما تمرّدت | عليه بنات الدهر إلاّ تمرّدا |
و لو أنّ من أهوى أطال دلاله | تركت لمن يهواها اللّهو و الدّدا |