حالنا أو في سبيل الحكم ..
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
لقد ساءَني علمي بخُبثِ السرائرِ | وأنّي على تطهيرِها غيرُ قادرِ |
وآلمني أني أخيذُ تفكُّرٍ | بكلَّ رخيص النفسِ خِبٍّ مُماكِر |
تمشَّتْ به سَوءاتُ شعبٍ تلاءَمَت | وسوءاتُه واستُدرِجَتْ بالمظاهر |
وها أنا بالنيّات سوداً معذَّبٌ | تعاودُني فيهنَّ سودُ الخواطر |
وألمحُ في هذي الوجوهِ كوالِحاً | من اللؤم أشباحَ الوحوش الكواسر |
وتوحِشُني الأوساطُ حتى كأنَّني | أُعاشِرُ ناساً أُنهِضوا من مقابر |
تصفَّحتُ أعمالَ الوَرَى فوجدتُها | مخازِيَ غطَّوها بشَتى الستائر |
وفتَّشتُ عما استحدَثوا من مناقِبٍ | تُروِّجُ من أطماعهم ومفاخِر |
فكانت حساناً في المظاهرِ خُدْعة | على أنها كانت قِباحَ المخابر |
مشى الناسُ للغايت شتى حظوظهم | وآمالهم من مستقيم وجائر |
وغطَّى على نقصِ الضعيف نجاحُه | وراح القويُّ عرضةً للعواثر |
وقد حوسب الكابي بأوهَى ذنوبِه | ولم يؤخَذِ الناجي بأمّ الكبائر |
وراحت أساليبُ النفاق مَفاخراً | سلاحاً قوياً للضعيف المُفاخر |
وحُبِّبَ تدليسٌ وذُمَّت صراحةٌ | فلا عيشَ إلاّ عن طريقِ التآمر |
وألَّفَ بين الضدِ والضدِ مغنمٌ | وفرَّقَتِ الاطماعُ بين النظائر |
مُحيطٌ خَوَتْ فيه النفوسُ وأفسِدتْ | طباعُ أهاليه بعدوْى التجاور |
هَوَت نبعةُ الأخلاق جراءَ ما اعتَدَتْ | على الشعب أطماعُ السَّراةِ الأكابر |
وقد صِيح بالإخلاص نَهبْاً فلا تَرَى | سوى بؤَر التضليلِ جِسراً لعابر |
وباتَ نصيبُ المرءَ رَهناً لِما يَرَى | أولو الأمرِ فيه مثلَ لِعبِ المقامر |
فإما مُكَّبٌ للحضيض بوجهه | على أنه سامي الذرى في المفاخر |
وإما إلى أوجٍ من المجد مُرتَقٍ | على سُلَّمٍ من موبقاتٍ فواجر |
ولم يبقَ معنى للمناصب عندنا | سوى أنها ملكُ القريبِ المصاهِر |
وإن ثيابَ الناس زُرَّت جميعُها | على عاهةٍ إلاّ ثيابَ المؤازر |
تُسنُّ ذيولٌ للقوانين يُبتَغى | بها جَلْبُ قوم " الكراسي " الشواغِر |
وقد يُضحِكُ الثكلى تناقضُ شارع | قوانينُه مأخوذةٌ بالتناحر |
أُهينَتْ فلم تُنتَجْ قريحةُ شاعرٍ | وضيِمَتْ فلم تَنشَ ط يراعةُ ناثر |
وهيمَنَ إرهابٌ على كل خَطرةٍ | تَرَدَّدُ ما بين اللَّهى والحناجر |
لقد ملَّ هذا الشعبُ أوضاع ثُلَّةٍ | غدت بينه مثلَ الحروفِ النوافر |
وما ضرَّ أهلَ الحكم أنْ كان ظلُّهم | ثقيلاً على أهل النُهى والبصائر |
فحسبُهمُ هذي الجماهيرُ تقتَفِي | خُطى كل مقتادٍ لها : من مناصر |
وحسبُهمُ أن يستجدُّوا " دعاية " | تُعدِّدُ ما لم يعرفوا من مآثر |
وأوجع ما تَلقَى النفوس نكايةً | مَعِزّةُ أفرادٍ بذُلِّ أكاثر |
لكي ينعُمَ الساداتُ بالحكم ترتوي | بقاعٌ ظِماءٌ من دماءٍ طَواهر |
وكي لا ترى عينٌ على البَغي شاهداً | تُغيرُ عمداً ناطقاتُ المحاضر |
وأهوِنْ بأرواح البريئين أُزهِقَت | وأموالِهم طارت هباً من خسائر |
وكانت طباعٌ للعشائر ترتجى | فقد لُوِّثَت حتى طباعُ العشائر |
وكان لنا منهم سلاحٌ فأصبحوا | سلاحاً علينا بين حين وآخر |
وإنك من هذي الشنائعِ ناظرٌ | إلى مُخزياتٍ هن شوكٌ لناظر |
اذا ما أجَلْتَ الطَرْف حولَك وانجلت | بعينيك يوماً مُخَبئاتُ الضمائر |
وكشفت عن هذي النفوس غطاءها | وأبرزتَها مثل الاماءِ الحواسِر |
وفتَّشتَ عما في زوايا الدوائر | وغربَلْتَ ما ضمَّت بطونُ الدفاتر |
رجعتَ بعينٍ رقرَقَ الحزنُ ماءَها | وأُبْتَ بقلب شاردِ اللُبِّ حائر |
وأيقنتَ أنّ الحالَ حالٌ تعسَّرَت | على كلِّ طَبٍّ بالطبائع ماهر |
وقد يملأُ الحرَّ المفكرَ حرقةً | تفكُّرُه يوماً بعُقبى المصاير |
ولا أملٌ إلاّ على يدِ مُصلحٍ | حَقودٍ على هذا التدهوُرِ ثائر |
وإن عيوباً جلْبَبَ الكِذبُ كُنْهَها | فغَطَينَ أضعافَ العيوبِ السوافِر |
ولا تحسبنَّ الشعرَ سهلاً مهبُّه | بهذي المساوي بين بادٍ وحاضر |
فإن عظيماً أن يخلِّدَ شاعرٌ | مخازيَ جيل بالقوافي السوائر |
سنُضحكُ قرّاءَ التواريخ بعدنا | ونبدو لهم فيهن إحدى النوادر |
وسوف نُريهم للمهازل مَرسَحاً | نَروح ونغدو فيه هُزأةَ ساخر |
فإن ترني أُذكي القوافي بنَفثَةٍ | أُراني على كِتمانها غيرَ صابر |
فإني برغم العاصفات التي ترى | أُقاسي رُكوداً لا يَليق بشاعر |
رجعتُ لنفسي أستثيرُ اهتمامَها | وأُلزِمُها ذنبَ الصريح المجاهر |
وأُثقلها بالعَتْب أن كان لي غنى | عن الشرِّ لولا حبُّها للمَخاطر |
وساءلتُها عما تُريد من التي | تُرشِّحها للمُهلكات الجوائر |
أأنتِ بعَورات النفوس زعيمةٌ | مُوَكَّلة عنها بِعَدِّ الجرائر |
وما أنتِ والغرمَ الذي راح مَغنَماً | لقد غامر الاقوامُ فيه فغامري |
خذي وِجهةً في العيش يُرضيك غيُّها | ولا تستطيبي منه قِعدَة خائر |
وإن شذوذاً أن تُثيري وتصدَعي | شَذاةَ مُحيط بالمدجاة زاخر |
وأحسن مما تدَّعين صلابةً | سماحُ المحابي وانتهازُ المساير |