تحية الحلة..
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
عفواً إذا خانني شعري وتبِاني | فلُطفُكُم لا أوفِّيهِ بشُكْرانِ |
وقد يُهوِّنُ عند المرء زلتَه | إحساسُه أنه ما بينَ إخوان |
غطارفَ الحلةِ الفيحاءِ أنكُمُ | في كل مَكرمُةٍ فِرسانُ ميدان |
وليس إحسانُكمُ نحوي بمبتَدعٍ | هنا منابتُ ألطافٍ وإحسان |
للعُرْبِ سفرُ نقاباتٍ مُضيَّعةٍ | باقٍ لديكم عليه خيرُ عُنوان |
ملامحٌ عرَبيّاتٌ مُخبِّرةٌ | بأنكُم خيرُ منسوبٍ لقَحطان |
أتيتُ ربةَ أشعاري أُناشدُها | عَوناً على الشعر أو صَفحاً عن الجاني |
ورُحتُ منها على وَعدٍ بمغفرة | إنْ لم يُسدِّدْ خطايَ اليومَ شيطاني |
وجئتُ مَحفِلَكُم أمشي على ثقةٍ | من ربّةِ الشعر عندي صَكُ غُفران |
أبناءَ بابل للأشعار عندَكُمُ | عِمارةٌ لم يشيَّدْ مثلَها بانِ |
ودولةٌ برجال الشعر زاهرةٌ | معمورةٌ بمقاطيعٍ وأوزان |
أقمتمُوها عُصوراً في رعايتِكم | لم تَخلُ من آمرٍ منكُم وسُلطان |
طوعَ الأكُفِّ دواوينٌ مشهَّرة | وفي الزوايا مُضاعٌ ألفُ ديوان |
هنا نَمَتْ عذَبَاتُ الشعر وارفةً | غصونُها قبل سوريّا ولُبنان |
وعنكُمُ أخَذَتْ مِصرٌ مساهِمةً | في مُعجِبٍ من طريف القول فَينْان |
ومن شعور الفراتِينَ قد نَهِلَت | أرضُ العراق وعبَّتْ أرضُ بَغدان |
لكنني مستميحٌ عفوَكم كَرَماً | اذا عَتَبتُ عليكم عَتْبَ غضبان |
وان نَكِرتُ عليكم سيرَ متَّئدٍ | وان طَلَبتُ اليكم سيرَ عَجلان |
وإن أردت لكم شِعراً يُجَسُّ به | نَبْضُ السياسةِ من آنٍ إلى آن |
يكون منها بمرصادٍ يقابلها | وجهاً لوجهٍ على حدٍ وميزان |
وفي العواطف أمواهٌ مُرَقْرَقَةٌ | وتارةً هو تسعيرٌ لنيران |
شعراً تُعالَج أبوابُ الحياة به | يكونُ عن كل ما فيها كإعلان |
نَسَجتُمُ بُردةً للشعر ضافية | أتقنتُمُ لُحمَتَيها أيَّ إِتقان |
ماشتْ عصوراً طِوالاً وهي زاهيةٌ | نُوراً لملك وتزييناً لتيجان |
ولو أردَتُم لكانَتْ زينةً لكُمُ | بها يُفاخَرُ ماكرَّ الجديدان |
أتاكُمُ عالَم ثانٍ فكانَ لكم | أن تُبرزوها بشكل مُونِقٍ ثان |
وكان يكفيكُمُ حِفظاً لرَونقِها | أنْ تأخذوها بأصباغٍ وألوان |
لا أدَّعي أنني أولَى بتَكرِمةٍ | وأنني فوقَ أصحابي وأقراني |
ولا أُعرضُ اني طائشٌ فرحاً | وان تَذكَّرتمُوني بعد نِسيان |
لكنما سرَّني أن الفراتَ به | يُقامُ أولُ تكريمٍ لفنّان |
ناشدتُكم بالحَمِيّات التي دفعت | بكم لذكرِيَ والإِعلاءُ من شاني |
وبالمزايا الفُراتِيّات هذَّبها | جورُ الطُغاةِ وكم فضلٍ لطُغيان |
ألا اجتهَدْتُم بأن لا تتركوا لَبِقاً | أو نابغاً عبقرياً طيَّ كتمان |
قد يَبعَثُ الشاعرَ الحَساسَ مزدهراً | تقديرُ عاطفةٍ منه ووجدان |
وقد تَبوخُ على الأهمال مَوهِبةٌ | لو أُلْهِبَت لرأيتُم أيَّ بَركان |
أنا الدليلُ على قَولٍ أردتُ به | أن لا يكونَ له غَيري كبُرهان |
تناوشتْني من الأطراف ناهشةً | لحمي عصابةُ أضباع وذُؤبان |
كالتْ ليَ الشَتْمَ ما شاءَت مكارمُها | سمحاءَ من دون تطفيف ونُقصان |
وحسبُكُم وعليكُمْ شرحُ مُجمَله | أن لم يكن شتمُ إنسانٍ لإنسان |
وان صَدَقتُ فما للقوم من غَرَضٍ | إلا إماتةُ حِسٍ فيَّ يقظان |
ولم أجدْ ما يُنَسَّيني مَضاضتَها | إلا عواطفَ خُلاّنٍ وخُلْصان |
وانني إنْ رَمَتْني أعينٌ خُزُرٌ | فانَّ أعينَكُم باللطفِ تَرعاني |
في الشعر شَحْذٌ لعَزْماتٍ ومُحتَسَبٌ | لطارئآتٍ وترويضٌ لأذهان |
خذوا بما ضمَّت " الفيحاءُ " من غُرَرٍ | مْخَلَّداتٍ وما ضَمَّ " الغَرِيّان " |
ونوِّهوا باسمِ أهليها لتَسمَعَهم | - ولو على الرغم منها – صُمُّ آذان |
ودَرِّسوا نشْكم من شِعرِهم قِطَعاً | مُصوِّراتٍ لأفراحٍ وأحزان |
هنا بـ " بابلَ " قام الفنُّ تُسنِدُه | حضارةُ المُلكِ من أزمانِ ازمان |
هنا مَشَى الفذُّ " بانيبالُ " مُزدَهياً | في موكِبٍ بغُواةِ الفنِ مُزدان |
تَرجَّلَ المُلْكُ إكراماً له ومَشَتْ | خواشعاً – ساسةٌ غُرٌّ – كرُهبان |
مُقَدِّرين من النحّات موهبةً | هي النُبُوّةُ من وحيٍ وإيمان |
من هاهنا كان تحضيرٌ لأنظمةٍ | في المشرِقَينِ وتمهيدٌ لأديان |
تشريعُ بابلَ هزَّ الناسَ روعتُه | من قبلِ أن يعرِفوا تشريعَ يونان |
للآنَ يُحتاجُ في إصلاحِ مملكةٍ | نظامُ دولةِ آشورٍ وكِلدان |
هنا " حمورابِ" سنَّ العدلَ معتمداً | به على حفظِ أفراد وعمران |
شكراً جزيلاً لأفواهٍ تُعطِّرُني | بكل مُمتْدَحِ الأسلوبِ حَسّان |
رّيانةً بمُذابِ العاطفاتِ أتَتْ | تسعى لقلبٍ من الإخلاص رَيان |
ولو تمكَّنتُ قدَّمتُ الفؤادَ لكم | لكنَّ تقديمَ إحساسي بإِمكاني |