ستالينغراد...
مدة
قراءة القصيدة :
7 دقائق
.
نضت الروح وهزتها لواء | وكسته واكتست منه الدماء |
واستمدت من إله الحقل . والبيت | والمصنع . عزما ومَضَاء |
رمتِ الزرعَ بعين أثلجَ الدَمعُ | فيها ضرمَ الحِقدِ اجتواء |
أعجلت عنهُ فآلت قَسَماً | أن ستسقيه دمَ الاعداءِ ماء |
ومشت في زَحمةِ الموتِ على | قدمٍ لم تخشَ مَيلا والتواء |
اقسمت باسم عظيمٍ كرمت | باسمِه أنْ لا تهين العظماء |
يا " ستَالينُ " وما أعظمَها | في التهجي أحرُفاً تأبى الهجاء |
أحرف يستمطرُ الكونُ بها | إنعتاقاً وازدهاراً وإخاء |
خالق الامة لم يمنُنْ ولم | يبغِ – لولا أرَجُ الزهر – ثناء |
وزعيمٌ شعَّ فيمنْ حولَه | قبسٌ منه فكانوا الزعماء |
زَرَّ بُردْيهِ على ذي مِرّةٍ | فاض إشفاقاً وبأساً وعناء |
مسّه الظلمُ فعادى أهله | وامترى البؤسَ فَحَبَّ البوساء |
وانبرى كالغيمِ في مُضْحِيَةٍ | فسقى دهراً وأحيا وأفاء |
بُوركَ الباني وعاشت أمةٌ | وفتِ الباني حقوقاً والبناء |
قيل للعيشِ ففاضت امناء | وإلى الموت ففاضت شهداء |
ومشى التاريخُ موزونَ الخُطى | ما انحنى ذُلاً ولا ضجّ ادعاء |
هذه التربهُ لا ما سُمِّيت | وطناً يُنبِتُ جوعاً وعراء |
وهي ذي الحفرة إذ طارت عَجاجاً | الفُ نفسٍ معها طارت فداء |
وهو ذا العِرضُ فهل تبغي وقاةً | مثلَهم أو مثل ذا تبغي وقاء |
قف على " القَفْقاس " وانظر | موكبَ المجدِ والعزةِ يمشي خُيَلاء |
وسلِ ( القوزاقَ ) هل كان دماً | لمعانُ السيف أم كان طلاء |
وجدَ الغادرُ من قسوتها | ما رأى من لطفها الضيفُ سخاء |
والعتاقُ الجردُ هل لاقت بما | عاقها من جثث القتلى عناء |
نفخت من وَدَجَيْها أن رأتْ | مُمْتطَى فارسِها أمسى خلاء |
فهي والغيظُ مرى أشداقها | تعرِكُ اللُّجْمَ وتجتّر الغثاء |
واحتواها رهَجُ الحربِ فما | تُبصر الأرضَ عتواً وازدهاء |
من على صهوتِها يمنحُها | شرف " الفارسِ " عزماً وفتاء |
ياعروسَ " الفلغِ " والفلغا دمٌ | ساءت البلوى فاحسنت البلاء |
صبغ " الدونَ " دماءين هما | بُعدُ بين الرجس والطهر التقاء |
وجرت امواجُه حاملةً | فوقها الضدينِ صبحاً ومساء |
وعلى الجرفين " عظمان " هما | رمزُ عهدَيْنِ انحطاطاً وارتقاء |
يا ابنة النهرين دومي شَبَحاً | لقويٍّ وضعيفٍ يتراءى |
للمهينين عقاباً وجزاء | والمهانين انتفاضاً وإباء |
كنتِ اسمى مثلاً من ظَفَرٍ | لم تلده خططُ الحربِ دهاء |
غلب الغالبُ فيه وانثنى الطوقُ | – كالحبل – على الطوق انثناء |
كنت رمزاً ألْهَمَ الجيلَ الفداء | وهدى الأعقاب ما شاءت وشاء |
حسِبوا أمرك ما قد عودوا | صعقَ الحربِ اتقاداً وانطفاء |
وابتداء من حديدٍ ودمٍ | يمهَرُ الفتح به ثم انتهاء |
واستجاشوا – فيلق الموت على | ظمأ للدم منَّوه ارتواء |
ومضوا فيما أرادوا خطوة | أوشك اليأس بها يمحو الرجاء |
وجف الغربُ على وطأتِها | وأمالت كلكلَ الشرقِ فناء |
وتلوت جيرةٌ طماحةٌ | أفناء تَتَلَقّى أم بقاء |
حملت حاضرَها واثقةً | أنَّ في مستقبلٍ آتٍ عزاء |
وانبرى التاريخُ في حَيْرتِهِ | أأماماً يتخطّى ام وراء |
وسرت انباءُ سوءٍ تَدّعي | أن ريحاً تُنِذرُ الدنيا وباء |
حُلُمٌ حلوٌ مُمرٌّ مؤنسٌ | مُوحشٌ سرَّ بما جاء وساء |
طاف بالكون فأغفى اهلهُ | تعساءً و أفاقوا سعداء |
فاذا العزة في عليائها | تتضرّى فتدوسُ الكبرياء |
وإذا الأنقاض في كُرْبتِها | تُفْعِمُ المكروبَ كالرَّوض شذاء |
واذا المنقضُ من أحجارها | لمح النجمَ تعالى فاضاء |
وإذا الطاغوتُ في أعراسه | يملأ الدنيا نحيباً وبكاء |
أنتِ امليت على تاريخه | طافحا بالكبر ذلاً واختذاء |
ومحوتِ العجب من اسطاره | وملأت الصَّلَفَ المحضَ ازدراء |
وصفعتِ الدنَّ في يافوخِهِ | صفعة لم تُبْقِ خَمْراً وانتشاء |
حسب من ضاقت ثناياكِ به | أنه يبغي فلا يَقوى النَّجاء |
وكفى المحتلَ هَوناً أن يُرى | الاسرون الغلبُ منه اسراء |
نحنُ أهلَ الأرض لو نقْوى وفاء | لرفعناكِ على الأرض سماء |
لجعلنا كلَّ عينٍ – مثلما | كلَّ قلب – تتملاكِ اجتلاء |
نَعْمَ ما أسدَتْ يدٌ آثمةٌ | كشفت عن وجهِكِ الحرِّ غطاء |
عاصفٌ مر فجلّى وانجلى | بدت الشمسُ به أبهى سناء |
وضح الحق الذي طال خفاء | وتولى زَبَدُ الكِذبِ جُفاءا |
وحّدَ العدلُ شعوباً خلطاء | عمروا الأرضَ وعاشوا خلصاء |
وجدوا في تربة تجمعُهمْ | كلّ ما يُطْلبُ في الخُلْدِ اشتهاء |
ورأوا في السّلمِ ديناً يُقْتَضى | ورأوا في الحربِ للدَّين اقتضِاء |
اترجي – أن تنجي وطنا | من يد الموت – جنوداً فقراء |
إن للحرب رجالا ليتَهُمْ | خبّرونا أنَّ للحرب نساء |
وغيورات أبى تاريخها | أن ترى دون الغيورين غَناء |
زانها الطهرُ رُواءً وارتمتْ | في مُثار النقعِ فازدادت رُواء |
ذادت الامُّ عن البيت وقاء | وارتمى الطفلُ على الامِّ افتداء |
وتعزَّت حين أخلت طُنفا | لم تَصُنْه – أنها صانت فِناء |
" أم غوركَي " ليت عندي وحيه | لأوفى ( بنتَك ) اليومَ الثناء |
لو يعود اليومَ حياً لرأى | مثلَها ألفْاً تهزّ البُلَغاء |
بل ولولا أن غوركي أمه | مثلُ هذي لم يُبزَّ النبغاء |
يا " تولستوي " ولم تذهبْ سدى | ثورةُ الفكر ولا طارت هَباء |
يا ثرياً وهبَ الناسَ الثراء | قُمْ ترَ الناسَ جميعا أثرياء |
قُمْ تَجِدْهم ما لكِي غلّتهِمْ | من على عهِدك كانوا الأجَراء |
هكذا ( الفكرةُ ) تزكو ثَمَراً | أن زكت غرساً ، وأن طابت نماء |
قد محصتَ حقاً وادعاء | كلم يخترق السمع سواء |
ووجدت الناسَ من جهلِهِمُ | لا يَميزون ثُغاء ورُغاء |
استُغلوا فهُمُ من بأسِهمْ | لا يكادون يَعون الأنبياء |
فحملت " البعثَ " باليمنىَ لَهم | وعلى اليسرى هناء ورخاء |
وشجبت الرفقَ والرحمةَ من | نفر ليسوا بحق رُحَمَاء |
ينشُدون الناس أحراراً وهم | ملأوا البيتَ عبيداً وإماء |
وكَسَوْا كلبهُمُ الخزَّ ومنْ | حولهمْ يلتحفُ الجمعُ العراء |
ووجدت الذئبَ في حالاتِه | ربما رافق معزاة وشاء |
قد يكون الكذب مفضوحا هراء | ويكون الصدقُ مدسوسا وباء |
ويكون الحقُ – ما بينهما - | باطلاً والطالحون الصلحاء |
يا ابنةَ النهرين هذا نَسَبٌ | من ولاءٍ لو تقبلتِ الولاء |
بَعُدَ المَرْمى بما استهدفتِه | واختذى السهمُ فقصرتِ عياء |
وارتمى الحسُّ على الحسِّ فما | يستطيع اللفظُ للوعي اداء |
ومن الظلم – الذي تابَيْنَه | أن تسومي المعجزاتِ الشعراء |
عاطفاتٌ حُوَّمٌ عاجت على | أبْحُرِ الشعر فردتها ظماء |
وهي ما كانت لتدلي سببا | لك ، لولا أنها كانت بَراء |
لم تُثِرْها نزوةُ النفس ، ولم | يُزهها العُجْبُ ولم تنبِضْ رياء |
جُلُّ ما يسعفني به | أن يلبي " الفمُ " للقلبِ نداء |