الأنانية ..
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أرى الدهر مغلوباً وغالبا | فلا تَعتِبَنْ لا يسمعُ الدهرُ عاتبا |
ولا تكذبنْ ، ما في البرية راحمٌ | ولا أنت فاترُكْ رحمةً عنك جانبا |
تمكّنَ ذو طَوْلٍ فأصبح حاكماً | وجنّب مدحوراٌ فأصبح راهبا |
وفاتت أناساً قدرةٌ فتمسكوا | ولم يُخْلقوا أُسداً فعاشوا ثعالبا |
إلى روح " مكيافيل " نفحُ تحية | وصوبُ غمامٍ يترك القبرَ عاشبا |
أبان لنا وجهَ الحقيقةِ بعد ما | أقام الورى ستراً وحاجبا |
ولو رُمتُ للعَوْرات كشفاً أريتُكُمْ | من الناس حتى الأنبياءِ عجائبا |
أريتكُمُ أنَّ المنافعَ صُوِّرتْ | محامدَ والحرمانَ منها معايبا |
أريتكُمُ أنَّ ابنَ آدمَ ثعلبٌ | يماشيك منهوباً ويغزوك ناهبا |
لحفظ " الأنانياتِ " سُنَّتْ مناهجٌ | على الخلق صَبَّتْ محنةً ومصائبا |
يجرُّ سياسيُّ عليها خصومَه | ويدرك دينيُّ بهنّ المطالبا |
فان تراني مستصرخاً من مُلِمَّة | على الناس إذ لم أخدعِ الناسَ صاخبا |
فليس لأني ذو شعور وإنّما | أردتُ على الأيام عوناً وصاحبا |
هي النفس نفسي يسقط الكلُّ عندها | إذا سَلِمتْ فليذهبِ الكونَُ عاطبا |
بلى ربما أهوى سواها لأنه | يَجُرُّ إليها شهوةً ومآربا |
ولو مُكِّنََتْ نفسي لأرسلتَ عاصفاً | على الناس يَذروهم وفجَّرتُ حاصبا |
فلو كنت دينيّا تخذت محمداً | وعيسى وموسى حجة وركائبا |
تناهبتُ أموالَ اليتامى أجوزُها | وأجمعُها باسم الديانة غاصبا |
ومهدتُ لي عيشاً أنيقاً بظلها | ومتعتُ نفسي منه ثم الأقاربا |
ولو كنتُ من أهل السياسة لم أَدَعْ | سناماً لمن أرتابُ فيهم وغاربا |
تَخذتُ الورى بالظن أُحصي خطاهُمُ | ورُحْت لدقاتِ القلوبِ محاسبا |
ولم أرَ في الاثم الفظيع اقترفتُه | سوى أنني أدّيتُ للحكم واجبا |
فان لم أُطِقْ تهديمَ بيتٍ مصارحاً | أتيتُ فهدَّمتُ البيوتَ مواربا |
لجأتُ إلى الدُّسْتُور في كل شدةٍ | أفسّر منه ما أراه مناسبا |
وجردتُهُ سيفاً أمضَّ وقيعةً | من السيف هنديا وأمضى مضاربا |
أكُمُّ به الأفواهَ حقا وباطلا | وأخْنُقُ أنفاسا به ومواهبا |
أُهدّمُ فيه مجلساً ليَ لا أُريدهُ | وإن ضمَّ أحراراً غَيارىَ أطابيا |
وأبني عليه مجلساً ليَ ثانيا | أضيّع " ألكاكاً " عليه رواتبا |
أُحشّد فيه أصدقائي وأسرتي | كما ضمّ بيتٌ أُسرةً وصواحبا |
فان لم تكن هذي لجأتُ لغيرها | أخفَ أذىً منها وألين جانبا |
أُرشحُ من لم يعرفِ الشعبُ باسمه | أباعدَ عنه لفّقوا وأجانبا |
أُسخّرهم طوراً لنفسي وتارةً | أصُبّ على الأوطان منهم مصائبا |
وأغريت بالتلطيف أسْحَرُ شاعراً | وأغدقت بالأموال اخْدَعُ كاتبا |
فهذا يسمى الجورَ حزماً وحكمةً | وذلك يعتدُّ المخازي مناقبا |
ولو كنتُ فناناً ولو كنتُ عاملاً | ولو كنتُ أُمياً ولو كنت كاسبا |
ولو كنت مهما كنت فرداً فانني | لأجهَدُ في تحطيم غيريَ دائبا |
ولا أعرف التاريخَ يهتاج ساخطا | عليّ ولا الوجدانَ يرتدُّ غاضبا |
فما كانت الأعذار إلا لخاملٍ | وما كنت إلا طامحَ النفسِ واثبا |
دعوني دعوني لا تهيجوا لواعجي | ولا تبعثوا مني شجوناً لَواهِبا |