قتل العواطف !...
مدة
قراءة القصيدة :
3 دقائق
.
أغْرَى صِحابي بتقريعي وتأنيبي | طولُ اصطِباري على همٍّ وتَعذيبِ |
أيسْتُ من كلِّ مطلوبٍ أُؤمِّلُهُ | وأصبحَ الموتُ من أغلى مطاليبي |
إذا اشتهيتُ فزادي غيرُ مُحْتَمَلٍ | وان ظَمِئْتُ فوِرْدي غيرُ مشروب |
جارتْ عليَّ الليالي في تقلُّبِها | وأوهَنَتْ جَلَدي من فَرْطِ تقليبي |
عَوْداً وَبَدْءاً على شرٍّ تُعاوِدُهُ | كأنَّني كرةٌ لِلّعْبِ تلهو بي |
يا مُضغْةً بين جنبيَّ ابتُليِتُ بها | لا كنتِ من هدفٍ للشرِّ منصوب |
ومن مثارِ همومٍ لا انتهاءَ له | ومن مَصَبِّ عناءٍ غيرِ منضوب |
وقد رددتُ رزايا الدهرِ أجْمَعَها | إلى سِجِلَّيْنِ محفوظٍ ومكتوب |
ما بين مُكْتَشَفٍ بالشعرِ مُفْتَضَحٍ | وبين مُخْتَزَنٍ في القلب محجوب |
إني على الرّغْمِ مما قد نُكِبْتُ به | فقد يحزّ فؤادي لفظُ منكوب |
شكت إلىّ القوافي فرطَ ما انتبذَتْ | مني وكنتُ أراها خيرَ مصحوب |
وعاتَبَتْني على الهجرانِ قائلةً | أكنتُ عِنْدَكَ من بعض الألاعيب! |
تلهو بها وإذا ما شئتَ تَطْرَحُها | موقوفةً بين تَبعيدٍ وتقريب |
كم ساعدتْك على الجُلِّى وكم دَفَعَتْ | هواجساً عن فؤادٍ منكَ " متعوب " |
سَجَّلْتُها آهةً حرَّى وكم دَفَعَتْ | طيَّ الرياحِ سُدىً آهاتُ مكروب |
فقلتُ حسبي الذي ألهبتكُنّ به | من لاعجٍ في حنايا الصدرِ مشبوب |
ومن قوافٍ بذَوْبِ الدَّمْع نشأتُها | ومن قصيدٍ لفرطِ الحُزْنِ منسوب |
لو اكتسى الشعرُ لوناً لاقتصرتُ على | شعرٍ بِقاني نجيعِ القلبِ مخضوب |
وما اشتكائي إلى الأشعارِ من مُضَضٍ | إلا شكيَّةَ محروبٍ لمحروب |
إنّ الأديبَ وإنَّ الشعرَ قَدْرُهُما | مطرَّحٌ بين منبوذٍ ومسبوب |
لم يبقَ منْ يستثيرُ الشِعْرُ نَخوَتَهُ | ومن يُحرِّكُهُ لُطْفُ التراكيب |
أعلى مِنَ الشّعرِ عندَ القومِ منزلةً | نَفْخُ البطونِ وتَطْريزُ الجلابيب |
ورُبَّ قافيةٍ غرّاءَ قد ضَمِنَتْ | أرقَّ معنىً تَرَدَّى خَيْرَ أُسْلُوب |
من اللواتي تُغَذِّيهنَّ عاطفةٌ | جياشةٌ بين تصعيدٍ وتصويب |
هززتُ فيها نياطَ القلبِ فانتثرت | بها شظايا فؤادٍ جدِّ مشعوب |
رهنتُها عند فجِّ الطَّبْعِ محتقنٍ | بغيرِ صُمِّ العوالي غيرِ مجذوب |
ظننتُني صادقاً فيما ادَّعَيْتُ بها | حتى انبرى لؤمُ جانيها لتكذيبي |
أرخَصّتُها وهي علقٌ لا كِفاءَ لَهُ | ورُحْتُ أصْفِقُ فيها كَفَّ مغلوب |
تشكو اغتراباً لَدَى من ليسَ يَعْرفُها | كما شكَتْ طبعَ راميها بتغريب |
عفواً فلولا اضطرارُ الحالِ يُلجئني | لكنتُ أنفَسَ مذخورٍ ومكسوب |
قالوا استفدتَ من الأيامِ تَجرِيةً | والموتُ أرْوَحُ من بعضِ التّجاريب |
تُعْفي الشدائدُ أقْواماً بلا أدَبٍ | وتبتلي غيرَ مُحتاجٍ لتأديب |
ما كان مِن قبلِها عُودي بذي خَوَرٍ | للعاجمينَ ولا قلبي بمرعوب |
ولا ذُعِرْتُ لشرٍّ غيرِ مُنْتَظَرٍ | ولا نزقتُ لخيرٍ غيرِ محسوب |
يا خيرَ موهبةٍ تزكو النفوسُ بها | بعداً فانك عندي شرُّ موهوب |
يُرضِي الفتى عَيْشُهُ ما دامَ يَغمُرُهُ | بالطيباتِ ويُغْريهِ بتحبيب |
حتى اذا رَمَتِ الويلاتُ نِعَمَتَهُ | ونَغَّصّتْها بتقويضٍ وتخريب |
سمَّى مُعاكسةَ الأيامِ تَجْربَةً | وراح يَخْدَعُ نَفْساً بالأكاذيب |
والعيشُ بالجهلِ أو بالحِلمِ إن خَبُثَتْ | مِنْهُ الحواشي فشيٌْ غيرُ محبوب |