شباب يذوي !...
مدة
قراءة القصيدة :
دقيقتان
.
ذوى شبابيَ لم يَنْعَم بسرّاءِ | كما ذوى الغصنُ ممنوعاً عن الماءِ |
سَدَّتْ عليَّ مجاري العيشِ صافيةً | كفُّ الليالي وأجرتها بأقذاء |
فمِنْ عناءِ بَلَّياتٍ نُهكتُ بها | إلى عناء . ومن داءٍ إلى داء |
ستٌ وعشرونَ ما كانت خُلاصتُها | - وهي الشبابُ طريّاً – غيرَ غمَّاء |
وما الحياةُ سوى حسناءَ فارِكةٍ | مخطوبةٍ من أحبَّاء وأعداء |
قد تمنعُ النفسَ أكفاءً ذوي شغفٍ | ورّبما وهبتها غيرَ أكفاء |
ولا يزالُ على الحالينِ صاحبُها | معذَّبَ النفسِ فيها بيِّنَ الداء |
فإنْ عجِبتَ لشكوى شاعرٍ طرِبٍ | طولَ الليالي يُرى في زِيِّ بّكاء |
فلستُ أجهلُ ما في العيش من نِعمٍ | انا الخبيرُ بأشياءٍ وأشياء |
ولا أحبُّ ظلامَ القبر يغمُرني | أنا الخبيرُ بأشياءٍ وأشياء |
وإنَّما أنا والدُّنيا ومحنتُها | كطالبِ الماء لمَّا غَصَّ بالماء |
أُريدُها لمسرّاتٍ ، فتعكِسُها | وللهناءِ ، فَتثنيهِ لايذاء |
وقد تتبَّعتُ أسلافي فما وقعتْ | عيني على غير مشغوفِ بدُنياء |
فانْ أتتكَ أحاديثٌ مُزخرَفةٌ | عن الذينَ رَوَوْها أو عن الللائي |
يُشوِّهونَ بها إبداعَ غانيةٍ | فتَّانهٍ لم تكنْ يوماً بشوهاء |
طوراً تُصوّرُ حِرباء وآونةً | كالأفعوان . وأُخرى كالرُّتَيْلاء |
فلا تصدّقْ فما في العيشِ منقصةٌ | لولا أضاليلُ غوغاءٍ ... ودهماء |
ذَمَّ الحياةَ أُناسٌ لم تُواتِهُمُ | ولا دَروا غيرَ دَرَّ الإبْل والشاء |
وقلَّدَتْهُمْ على العمياء جَمهرةٌ | تمشي على غير قصدٍ خبطَ عشواء |
ولو بدَتْ لهمُ الدُّنيا بزيِنتها | لقابلوها بتبجيلٍ وإطراء |
لم تكفِني نكباتٌ قد أُخذتُ بها | حَتى نُكبتُ بأفكاري وآرائي |
لي في الحياة أمانٍ لو جَهَرتُ بها | قُوبلتُ من سَفْسطيَّاتٍ بضوضاء |
ولو أتاني بِبُرهانٍ يجادلُني | لقلتُ : أهلاً على العينين ِ مولائي |
شِيدتْ قصورٌ على الأجراف جاهزةٌ | بكلِّ ما تشتهيهِ أعينُ الرائي |
فيهنَّ من شهواتِ النفس أفظعُها | فيها غرائبُ أخبارٍ وأنباء |
فيها اللَّذاذاتُ والأفراحُ عاصفةٌ | بنفسِ ذاكَ المُرائي عَصفَ نكباء |
حتى إذا قلتَ قولاً تستبينُ به | لُطفَ الحياةِ بتصريحٍ وإيماء |
هاجوا عليكَ بإقذاعٍ ومفحشةٍ | وآذنوكَ بحربٍ جِدِّ شعواء |
حُرِّيةُ الفكر ما زالتْ مهدَّدةً | في " الرَّافدين " بهمَّازٍ ومشَّاء |
وبالنواميسِ ما كانتْ مُفسَّرةً | إلا لِصالحِ هيئاتٍ وأسماء |