تحيّة الشام
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
حيّ الشآم مهندا و كتابا | و الغوطة الخضراء و المحرابا |
ليست قبابا ما رأيت و إنّما | عزم تمرّد فاستطال قبابا |
فالثم بروحك أرضها تلثم عصورا | للعلى سكنت حصى و ترابا |
و اهبط على بردى يصفّق ضاحكا | يستعطف التلعات و الأعشابا |
روح أطلّ من السماء عشية | فرأى الجمال هنا .. فحنّ ، فذابا |
و صفا و شفّ فأوشكت ضفاته | تنساب من وجد به منسابا |
با أدمع حور الجنان ذرفنها | شوقا ، و لم تملك لهنّ إيابا |
بردى ذكرتك للعطاشى فارتووا | و بنى النهى فترشّفوك رضابا |
مرت بك الأدهار لم تخبث ولم | تفسد وكم خبث الزمان وطابا |
****** | |
بأبي و أمّي في العراء موسّد | بعث الحياة مطامعا و رابا |
لما ثوى في ميسلون ترنّحت | هضباتها و تنفّست أطيابا |
و أتى النجوم حديثه فتهافتت | لتقوم حرّاسا له حجّابا |
ما كان يوسف واحدا بل موكبا | للنور غلغل في الشموس فغابا |
هذا الذي اشتاق الكرى تحت الثرى | كي لا يرى في جلّق الأغرابا |
و إذا نبا العيش الكريم بماجد | حرّ رأى الموت الكريم صوابا |
إنّي لأزهى بالفتى و أحبه | يهوى الحياة مشقّة و صعابا |
و يضوع عطرا كلما شدّ الأسى | بيديه يعرك قلبه الوثّابا |
و يسيل ماء إن حواه فدفد | و إذا طواه الليل شعّ شهابا |
و إذا العواصف حجّبت وجه السما | جدل العواصف للسما أسبابا |
و إذا تقوّض صرح آمال بنى | أملا جديدا من رجاء خابا |
فابن الكوكب كلّ أفق أفقه | وابن الضراغم ليس يعدم غابا |
****** | |
عجبا لقومي و العدوّ ببابهم | كيف استطابوا اللّهو و الألعابا ؟ |
و تخاذلت أسيافهم عن سحقه | في حين كان النصر منهم قابا |
تركوا الحسام إلى الكلام تعلّلا | يا سيف ليتك ما وجدت قرابا |
دنياك ، يا وطن العروبة ، غابة | حشدت عليك أراقما و ذئابا |
فالبس لها ماء الحديد مطارفا | واجهل لسانك مخلبا أو نابا |
لا شرع في الغابات إلاّ شرعها | فدع الكلام شكاية و عتابا |
هذي هي الدنيا التي أحببتها | و سقيت غيرك حبّها أكوابا |
و ضحكت مع أحلامها ، و بكيت في | آلامها ، و جرعت معها الصّابا |
و أضلّ روحك في السرى و أضلّها | ما خلته ماء فكان سرابا |
و نظرت ، و الأوصاب تنهش قلبها ، | فرأيت كلّ لذاذة أوصابا |
شاء الظلوم خرابها فإذا الورى | لا يبصرون سوى نهاه خرابا |
دنيا تألّق أمسها في يومها | فاستجمع الأنساب و الأحسابا |
و سرى سناء الوحي من آفاقها | يغشى العصور و يغمر الأحقابا |
ألحقّ ما رفعت به جدرانها | و الخير ما زانت به الأبوابا |
فاستنطق التاريخ هل في سفره | مجد يضاهي مجدها الخلّابا ؟ |
شابت حضارات ، و دالت و انطوت | أمم ، و مجد أميّة ما شابا |
الأمس كان لها و إنّ لها غدا | تتلفّت الدنيا له إعجابا |
غنّيت من قبل المحولة و العرا | أفلا تغنّي الروضة المخصابا ؟ |
عطفت لياليها عليك بشاشة | فانس الليالي غربة و عذابا |
وانشر جناحك فالفضاء منوّر | و املأ كؤوسك قد وجدت شرابا |
فلشدو مثلك كوّنت ، و لمثلها | خلق الإله البلبل المطرابا |
****** | |
ليت الرياض تعيرني ألوانها | لأصوغ منها للرئيس خطابا |
و أقول إنّي عاجز عن شكره | عجز الأنامل أن تلم عبابا |
أشكو إلى نفسي العياء فتشتكي | مثلي ، و تصمت لا تحير جوابا |
فلقد رأيت البحر حين رأيته | فوقفت مضطرب الرؤى هيّابا |
أعميد سوريّا و كاشف ضرّها | خلقت يداك من الشيوخ شبابا |
و بلابل كانت تئنّ سجينة | أطلقتها و أطرتها أسرابا |
يا صاحب الخلق المصفّى كالنّدى | لو لم تكن بشرا لكنت سحابا |
أمل الشبيبة في يديك وديعة | فارفع لها الأخلاق و الآدابا |
فالجهل أنّي كان فهو عقوبة ، | و العلم أنّى كان كان ثوابا |
يا ويح نفسي كم تطارني النّوى | و تهدّ منّي القلب و الأعصابا |
ودّعت خلف البحر أمس أحبّة | و غدا أودّع ها هنا أحبابا |