أَيّها النايُ |
لي سلطانُ الكلام، وحاشيةٌ من الأحلامِ والريحِ |
وجندٌ من المعاني والأشجارِ |
مملكتي تمتدُّ إلى ما لا نهايةِ الحُلْمِ.. |
يَرْسُمُونَها على الخريطةِ أحياناً على شكلِ لافتةٍ.. |
أو مكتبٍ صغيرٍ في إحدى الصحفِ.. |
أو رصيفٍ |
وأَرْسُمُها على شكلِ قلبٍ أو نايٍ |
وتَرْسُمينها على شكلِ مصطبةٍ لشاعرٍ مجنونٍ |
لي هذا البحرُ بتعرّجاتِ أغانيهِ على رملِ الموجةِ |
البحرُ وشَعرُكِ الطويلُ وديوني آخر الشهرِ.. |
ثَمَّةَ ما يُوصِلُني إلى الخراب |
وثَمَّةَ ما يُوصِلُكَ - أَيّها النايُ، يا صديقي - إلى قرى القصيدةِ |
وهي تنأى من خلالِ النافذةِ.. |
نافذة بكائي.. |
آه.. كيفَ لمْ ألتفتْ إلى النافذةِ، حيث تجلسُ هي ساهمةَ النظرات والأحلام |
تفكّرُ بالشاعرِ وقرصِ الأسبرين |
قلتُ لها: غيابكِ نافورةُ حُرْقْة.. |
ولكنَّها لمْ تعدْ |
قلتُ لقلبي: سأذهبُ إلى البصرة، أفلّيها شارعاً شارعاً، بحثاً عنكِ.. |
سأقفُ أمامَ تمثالِ السيّابِ - بلا زهورٍ ولا عنوان - |
هكذا بكلِّ انكساري وغربتي |
أسائلُ المارِّين عنكِ |
وأبعثُ بطاقاتي في بريد البحرِ |
يا لحماقاتي.. التي أورثتني كلَّ هذا التشرّد.. |
تشرّدي في شوارع حبّكِ.. |
أَيّها النايُ.. |
ساعةُ الحائطِ تتكتكُ.. |
كمْ مضى من الوقتِ على عَطَلي |
نظرتُ إلى فوضى مكتبتي، وعرفتُ لماذا مضى نصفَ حياتي |
بلا ترتيبٍ.. |
أَيّها النايُ.. |
كم باسمكَ من التأوّهاتِ والقرى |
وكم باسمي من الفقْرِ والغيومِ |
لنا أنْ نأخُذَ القطارَ، نفسَهُ، النازلَ إلى الجنوبِ |
غريبينِ على مقعدين متقابلين |
أنت تُحدِّقُ من النافذة لنباحِ أعمدةِ الهاتفِ وفوانيسِ القرى النائيةِ |
وأنا أَكْتُبُ.. |
وعندما نصلُ المحطّةَ.. |
لن نجدَ أحداً في استقبالنا |
سنذهبُ إلى أقربِ حانةٍ في المدينة |
هنالك - وقبل الكأسِ الأخيرِ - سأبوحُ لكَ بشيءٍ خطيرٍ |
أَيّها النايُ.. يا صديقي الوحيد |
سأبوحُ لكَ باسمها.. |
فهل ستَكتُمُ السرَّ!؟ |
* * * |
ملتقى السيّاب - 1989 البصرة |