آخينا زعفرانة البحر |
وهي تخرج عن خبيئة الجبل |
تزخرف مخيلة الغابة |
وتمنح الغريب وردةَ الليل |
آخينا الماء بزرقته القانية |
وهذيانه الناضج |
نغسله بمراراتنا القديمة |
فيتفجّر في أعطافنا حنين الوحشة |
نخبئ أفئدتنا المرتعشة |
تحت القمصان والأغطية وضراوة الثلج |
مثل ذئاب متوحدة |
نخفيها في آبار الذاكرة |
لئلا تفضحنا بنشيجها المكبوت |
جئنا بأكثر الأعضاء رهافة |
لننساك |
لننسى نسيانك |
فتشهق بنا جمرة القلب |
تلامس حواسنا الشجرة ذاتها |
الغابة ذاتها |
والهواء الشفيف ذاته |
هذا هو إذن |
الفضاء الذي ازدحم بك |
الخضرة التي شغرت من أجمل كائناتها |
بعد رحيلك |
جئنا |
نؤاخي غابة ثاكلة بعدك |
لننساك |
لننسى نسيانك |
فتشهق بنا الأفئدة |
كمن يطلق الريح في جمرة النص |
جئنا |
رحيلاً من جنة الأعالي نحو السواحل المأهولة |
بنحيب القواقع واحتدام الموج |
من سواد البلاد المكتظة بتاجات النخيل |
والمياه القديمة |
نحو الجزر الموشحة بأهداب النيازك |
المشحونة بالمرارات |
جئنا نسأل المنتجع |
علاجاً لنسياننا |
رحيل ٌ مترفٌ بالوجع ومواكب الدمع |
في الخطى المشبوبة |
ساعيةً لعدالة المطر وهو يغسل الرجال |
بنسوةٍ ينسجنَ القوس الفادح |
مجللات بسواد البهجة |
فيهنَّ حاملات القرابين |
فيهنَّ المعصوبات بالسعف الطازج |
فيهنَّ المندلعات بأثداء النعمة |
اللائي يدْهنَّ بالتوابل أجساداً تسوق النوارسَ |
مزينةً بالريش المبتلّ ، مغرورةً كالريح |
في مرورنا الرشيق بين موائد البحر |
نلملم عسل الشموع ونبجّل به غيابك الغامر |
لعل رحيلنا الباكر يمنحنا نعمة نسيانك |
في الأقداح المعبوبة حتى الثمالات |
بالشفاه المرتعشة تحت المطر العادل |
يستعيد لنا فصاحة الحواس |
وهي تصف الهوادج في ترنح الرحيل |
أقداحٌ نعبّها حتى تشفّ صور نسائنا |
في الزجاج الثمل مصقولاً بجوهرة الأفئدة |
في تاجات الزبد تحرس مراكبنا مبحرة |
مثل حليبٍ يطيشُ في القصعة |
ويمنح الطفل أختامَ النشوة |
ليظن أنها الملاك .. وينام |
رحيلٌ يضع زفير أرواحنا في التجربة |
يعرّينا من حنين جامح |
رحيلٌ فادحٌ |
خلعنا له أجمل قمصاننا |
لنجد أعضاءنا مستوحشة في وحدة الطريق |
في ملح جارح يؤجج الجراح |
متوغلاً في الخفيّ من أسرارنا |
رحيل يذهب بنا |
تاركين دفء أكواخنا في غياهب النخل |
ميمّمين نحو مسارب الحجر |
أعطافنا مثقلة بذريعة الطرائد |
رحيلٌ مثل فرار فاجع من شراك الغبار |
نلثم رطوبة الرمل بالأهداب |
ونطبع القبلات في هواءٍ يتكاثف على زجاج أيامنا |
دخان الأكباد يندلع مختلطاً بتشنجات العضل |
وافدين مثل مرضى الجنَّة على مشارف الجحيم |
في تهدّج مهجنا المستثارة بفعل المسافة |
نساؤنا يمزقنَ أسمالهنَّ لئلا نذهب |
فنشدُّهنَّ من قلائد أعناقهنَّ لفرط الرحيل |
نؤجل بهنَّ ليل الأسلاف |
بكتبٍ تفتح الطريق أمام أشباحنا |
نرسم لأحفادنا مستقبل النوم |
بالحليب الشحيح في أثداء نسائنا |
ونهدهد مهود أطفالنا بزفير الأفئدة |
لئلا ينالهم ندمٌ على ذهابنا الباكر |
في اختلاج معاجمنا باللغة |
نتلو صلوات مكسورة بماء الرغبة |
قدمٌ في النوم |
و قدمٌ في نعاسٍ نظنُّ أنه اليقظة |
تلك هي جذورنا صاعدة |
في غيم لا يعرف تقويم الفصول |
تلك هي خريطتنا المنهوبة |
مبذولة للمهبّ |
ما إن تغفو أجسادُنا في شهوة الليل |
حتى تستفرد بنا ضباعٌ تتبع خطواتنا |
تشمُّ رائحة الدم وتمشي عليه مثل الخيط |
تقتحم علينا غرفة القلب |
منتهكة بكورة أحلامنا |
ليس فينا من ينسى نسيانه |
ولسنا في الأسلاب. |
نذهب في رحيلنا |
ونسمّي أحلامنا تميمة السفر. * |