اجتلي الكاس فذي كفُّ الصَبا
اجتلي الكاس فذي كفُّ الصَبا | حَدَرت عن مبسمِ الصبح اللثاما |
واصطبحها من يَدي غضِّ الصِبا | أغيدٍ يجلو محيّاهُ الظلاما |
بنتُ كرمٍ زُوِّجت بابنِ السحب | فتحلّت في لئالٍ من حَبَب |
مذ جلاها الشربُ في نادي الطَرب | ضَحِكت في الكاسِ حتى قَطّبا |
كلُّ مَن كان لها يُبدي ابتساما | وانثنى الزامرُ يشدو مُطرِبا |
غرِّقوا بالراحِ كِسرى يا ندامى | |
هيَ نارٌ في إناءٍ مِن بَرَد | عجباً ذابت به وهو جَمد |
أبداً تحرقُ نمرودَ الكمد | وإذا منها الخليلُ اقتربا |
غُودرت بَرداً عليه وسلاما | فاحتسي أعذبَ من ماءِ الربى |
خمرة ً أطيبَ من نشرِ الخُزامى | |
أشبهت صافية ً في الأكؤس | دمعة َ الهجرِ بخدَّي ألعس |
إن أُديرت مَثَّلت للمحتسي | وجنة َ الساقي بها فاستُلبا |
رشدُه حتى تراه مُستهاما | ليس يدري وجنة ً قد شربا |
أم سُلافاً عتّقت عاماً فعاما | |
تنشىء الخفَّة في روحِ النسم | وتروضُ الصعبَ منهم للكرم |
لو حساها وهو في اللؤمِ عَلَم | «مادرٌ» منه إذاً لانقلبا |
ذلكَ اللؤمُ سماحاً مُستداما | ودعى خذ معَ عقلي النشبا |
آخرَ الدهر ودعني والمداما | |
كم على ذاتِ الغضا من مجلس | قد كساه الروضُ أبهى مَلبس |
فيه بتنا تحت بُردِ الحندس | نتعاطى من كؤوسٍ شُهبا |
تطردُ الهمَّ وإن كان لِزاما | إذ به نامت عيونُ الرُقبا |
ليتها تبقى إلى الحشر نياما | |
ونديمي مِن بني الترك أغَن | شهدة ُ النحل بفيه يُختزن |
هبَّ يثني عطفَه سُكرُ الوسن | وأخيه المصطفى ابن المجتبى |
أنملاً أبدى بها الحسنُ وشاما | وكأّن خدّيه منها أُشرِبا |
خمرة ً إذ زفَّها جاماً فجاما | |
رشأٌ جُسِّد صافي جسمِه | من شعاعِ الخمرِ لا من جُرمِه |
خَفَيت صهباؤُه من كتمِه | لسناه مذ عليها غلبا |
نورُ خدّيه فما تدري الندامى | أسنا خدّيهِ أبدى لهبا |
أم سنا الكأس لهم أبدى ضَراما؟ | |
إن يقل لليل: عَسعِس، شعرُه | قال للصبحِ: تنفَّس، ثَغرُه |
أومن الردف تشكَّى خصرهُ | قال يازادك: من زامَ الظِبا؟ |
بالخصورِ الهيفِ ضعفاً وانهضاماً | ولكاسِيكَ الوشاحَ المُذهبا |
زاد جفنيه فتوراً وَسقاما | |
يا أليفي صبوتي بُشراكما | جاء ما قرَّت به عيناكما |
ذا جديدُ الأُنسِ قد حيّاكما | وخلاصاً لكما قد جلبا |
ناقلاً من صفة ِ الراحِ النظاما | فاجعلاه للتهاني سببا |
فعلَ من يرعى لذي الودّ الذماما | |
خلّيا ذكرَ أحاديثِ الغَضا | واطويا من عهدِ حزوى ما مضى |
وانشرا فرحة َ إقبالِ الرضا | وأخيه المصطفى ابن المجتني |
إنّ إقبالَهما سَرَّ الأناما | وكذا الدنيا استهلت طربا |
إذ معاً آبا وقد نالا المُراما | |
بوركا في الكرخ من بدري عُلى | شعَّ برجُ المجدِ لمّا أقبلا |
ومحيّا الفخرِ بالبِشرِ انجلى | وأعِد ذكرَ كرامٍ نُجبا |
بمُنيرَي أبرجَ المجدِ القُدامى | بكما قرَّت عيونُ النُجبا |
آلِ بيتِ المصطفى السامي مقاما | |
رجع السعدُ إلى مطلعِه | والبها رُدَّ إلى موضِعه |
والندى عادَ إلى منبعِه | بِسراجي شرفٍ قد أذهبا |
بالسنا من أُفق الكرخ الظلاما | وخضمَّي كرمٍ قد عَذُبا |
مورداً يروي من الصادي الأُواما | |
هل بَناتُ السير في تلك الفلا | علمت عادَ بها ما حملا |
وبماذا بوقارٍ وعُلى | رحلت بالأمس تطوي السبسبا |
حَدَراً تهبطُ أو تعلو أُكاما | وأُريحت بالمصلّى لُغبا |
قد برت اقتابُها منها السَناما | |
حملت من حرمِ المجد الكرَم | وانبرِت تسعى إلى نحوِ الحرم |
وألمَّت لا لتمحيصِ اللمم | بمقام البيتِ لكن طَلَبا |
لمزيد الأجرِ وافين المقاما | وبمغناه طرحنَ القتبا |
بغية َ الفوز وألقين الخُطاما | |
قَرَّبت منه ومُنشي الفَلكِ | صفوتي بيتِ التُقى والنُسُك |
بالسما أُقسمُ ذاتِ الحُبك | لهما بالحجِّ حازا رُتبا |
ما حبا في مثلِها الله الأناما | هي كانت من سواها أقربا |
عنده زُلفى وأعلاها مقاما | |
رتباً لا يتناهى قدرُها | يسعُ الخلقَ جميعاً برُّها |
حيثُ لو عاد إليهم أجرُها | واستووا في الإِثم شخصاً مذنبا |
لمحى الله به عنه الإِثاما | وله من حسناتٍ كتبا |
ضِعفَ مَن حَجَّ ومن صلى وصاما | |
بهما سائِل، تجد حتى الحجر | شاهداً أنّهما بين البشر |
خيرُ من طافَ ولبى ّ واعتمر | |
مسحاهُ بيدٍ تنشى الحُطاما | هي بالجودِ لأجزالِ الحَبا |
كَعبة ٌ تعتادُها الوفد استلاما | |
بين إحرامٍ عن الإِثم وحلّ | |
ويرى للهدي بالنحرِ يصلِ | كلَّ يومٍ ويميحُ النشبا |
بيدٍ لم يحكها الغيثُ انسجاما | كان طبعاً جودُها محتلبا |
لا كما تحتلبُ الغيثَ النُعاما | |
ثمَّ لمّا أكملا الحجَّ معاً | ودَّعا مكَّة فيمن ودَّعا |
وإلى يثرب منها أزمعا | قصد مَن ألبسِ فخراً يثربا |
وحباها شرفَ الذكرِ دَواما | وبه فاقَ سناها الشُهبا |
فاشتهت تغدو لها الشهبُ رغاما | |
ونحن كلٌّ ضريحَ المصطفى | ناشقاً طيبَ ثراه عرفا |
وبه طاف ومنه عطفا | نحوَ مغنى المرتضى مرتغبا |
لسواه عنه لا يلوي الزِماما | فقضى مِن حقّه ما وجبا |
وأتى "الكرخ" فحيّا وأقاما | |
كم لأيدي العيسِ يا سعدُ يدُ | أبداً مشكورة ٌ لا تُجحدُ |
فعليها ليسَ ينأى بلدُ | وبها وخداً سَرت أو خبَبا |
يدرك الساري أمانيه الجساما | ويرى أوطأَ شيءٍ مركبا |
ظهرَها من طَلِبَ العزَّ وراما | |
أطلعت بالكرخ من حجب السرى | قمري سعدٍ بها قد أزهرا |
وغراماً بهما أمُّ القُرى | لو أطاقت لهما أن تصحبَا |
حين آبا لأتت تسعى غراما | وأقامت لا ترى منقَلبا |
عن حمى الزوراء ما دامت دواما | |
أوبة ٌ جاءت بنيلِ المِنَحِ | ذهبت فرحتُها بالترح |
فبهذا العامِ أمُّ الفرحِ | وَلَدتها فأجدَّت طربا |
بعد ما جاءت بها من قبلُ عاما | ولها الإقبالُ قد كان أبا |
سعدُه أخدَمَه اليمنَ غُلاما | |
فاهنَ والبشرى أبا المهديّ لك | تلك علياكَ لبدرَيك فلك |
قد بدا كلٌّ بها يجلو الحلك | فترى الأقطارَ شرقاً مغرِبا |
لم يدع ضوؤهما فيها ظلاما | والورى أبعدَها والأقربا |
بهما تَقتسمُ الزهو اقتساما | |
مَلَت القلبَ سروراً مثلما | قد ملآتَ الكفَّ مِنها كَرَما |
واحتبت زهواً تهنيّك بما | خصَّك الرحمنُ مِن هذا الحَبا |
حيث لازلتَ لها ترعى الذماما | جالياً أن وجه عامٍ قَطّبا |
للورى وجهاً به تُسقي الغماما | |
ففداءٌ لك يا أندى يدا | |
معشرٌ ما خُلِقوا إلاّ فِدا | لبسوا الفخرَ مُعاراً فنبا |
عن أُناسٍ تلبسُ الفخرَ حراما | كلّ من فيهم على الحظّ أبى |
قدرهم عن ضعة ٍ إلاّ الرغاما | |
تَشتكي من مسَّ أبدانُهم | حللٌ ترفعُ من شانِهمُ |
وإذا صرَّ بأيمانِهمُ | قلمٌ فهو ينادي عَجبا |
صرتُ في أنملة ِ اللؤمِ مُضاما | من بها قرَّ مقيماً عُذَّبا |
إنها ساءت مقرّاً ومُقاما | |
هب لهم درهمهم أصبحَ أب | فسما فيهم إلى أعلا الرُتب |
إكرامٌ هم لدى نصِّ النسب | إن يعدّوا نسباً مُقتَضَيا |
لا عريقاً في المعالي أو قدامى | عدموا الجودَ معاً والحسبا |
فماذا يتسمّونَ كراما | |
عَبَدوا فلسَهمُ دهرَهُم | وعليه قَصروا شكرَهمُ |
فاطّرح بين الورى ذكرَهُم | |
قصروا الوفرَ على الوفدِ دواما | وبنوا للضيفِ قدماً قِببا |
رفعت منها يدُ المجد الدُعاما | |
إذ على تقوى من اللهِ الصمد | أُسَّس البنيانُ منها وَوطد |
من له كلُّ يدٍ تشكرُ يَد | مصطفى الفخرِ وفيها أعقبا |
عَشرة َ ألقى له الفضلُ الزماما | إذ سهامُ الفضلِ عشرٌ قَصبا |
فيه كلُّ فحوى العشر السِهاما | |
أعقبَ الصالحَ فيها خَلَفا | وأبا الكاظم من قد شُرِفا |
والرضا الهادي حسيناً مصطفى | وأميناً كاظماً أن أغضبا |
وجواداً جعفراً كلاًّ هُماما | صبية ٌ سادوا ولكن في الصِبا |
بأبي المهديّ قد سادوا الأناما | |
معشرٌ بيتُ عُلاهم عامرُ | بهم للضيفِ زاهٍ زاهرُ |
فيه ما أمُّ الأماني عاقرُّ | تَلِدُ النجحَ فتكفي الطَلَبا |
وأبو الآمالِ لا يشكوا العُقاما | وعلى أبوابِه مثلُ الدَبي |
نَعَمُ الوفد لها تلقي الزماما | |
أرضعت أمُّ العُلى ما ولدوا | فزكى ميلادُهم والمولِدُ |
إنّهم طفلُهم والسؤدُد | يستهلاّنِ فداعِ للحبا |
ذا وهذا قائلٌ طبتَ غلاما | إبقَ في حجر المعالي حقبا |
لا ترى من لبنِ العليا فِطاما | |
صفوة َ المعروفِ قِرّوا أعينا | واهنئوا بالصفوِ من هذا الهنا |
لكم السعدُ جلا وجهَ المُنى | بيدِ اليمنِ ومنه قرَّبا |
لكم الإقبالُ ما ينأى مراما | فالبسوا أبرادَ زهوٍ قُشُبا |
منكم لا نزعَت ما الدهرُ داما | |
واليكم غادة ً وشّحتُها | وبريّا ذكركم عَطّرتُها |
وإلى علياكم ارفقتُها | فلها جاءَ افتتاحاً طيبّا |
نشرُ راح الأنسِ منكم لا الخزامى | ولها تشهدُ أنفاسُ الصَبا |
من ثناكم مسكه كانَ ختاما |