هلاّ نَظَرْتَ إلى الكئيب الوالِهِ
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
هلاّ نَظَرْتَ إلى الكئيب الوالِهِ | وسألته مستكشفاً عن حالهِ |
أودى بمهجته هواك ولم يدعْ | منه الضَّنى إلاّ رسوم خياله |
الله في كبد تذوب ومدمع | أهرقتَ صوبَ مصونه ومذاله |
وحشاشة تورى عليك وناظر | ممن دعا لوبالها ووباله |
أتظنُّه يسلو هواك على النوى | تالله ما خطر السُّلوُّ بباله |
عذراً إليك فلو بدا لك ما به | ما كنتَ إلاّ أنتَ من عذّاله |
وَيْلي من الحيّ المراق له دمي | في غاب ضيغمه كناس غزاله |
هذا يصول بطرفه وبقدِّه | صولات ذاك برمحه ونصاله |
من كلّ معتقل قناة قوامه | والطَّعن كلُّ الطَّعنِ من عسّاله |
رامٍ يسدّد سَهْمَه ويريشه | أَحشايَ من أغراض وقع نباله |
مرّت ممّكسه الصّبا فتنفّست | عن ورد وجنته ومسكة خاله |
ولكم جرى بيني وبين رضابه | ما كان عند السكر من جرياله |
لا تعذلنّ على الهوى أهل الهوى | ودع المشوق كما علمت بحاله |
أمّا رحيل تصبّري وتجلّدي | فغداة جدّ الركب في ترحاله |
إنْ تنشدا قلبي وعهدكما به | صاع العزيز فإنَّه برحاله |
يا أيها الحادي أما بك رأفة | بالركب منحطّ القوى لكلاله |
عجت المطيّ لمنزلٍ مستوبلٍ | حتَّى وَقَفْتُ به على أطلاله |
ولقد سألت فما أجابك ربعه | فعلامَ تكثرُ بعدها بسؤاله |
سحب النسيمُ على ثراك إذا سرى | أَرَجاً يفوح المسك من أذياله |
يا دارَنا وسقاك من صوب الحيا | ما إنْ يصوب الريَّ صبّ سجاله |
سقياً لعهدك بالغميم وإنْ مضى | وتصرَّمتْ أوقاته بظلاله |
قد كنتُ أعلمُ أنَّ عيشك لم يدم | وبصرتُ قبل دوامه بزواله |
قستُ الأُمور بمثلها فَعَرَفْتُها | ولقد يقاس الشيء في أمثاله |
وتَقَلُّبي في النائبات أباحني | نظراً إلى غاياته ومآله |
أنّى تفوزُ بما تحاول همّتي | والدهر ملتفتٌ إلى أنذاله |
وأرى المهذَّبَ في الزمان معذّباً | في الناس في أقواله وفعاله |
لا كان هذا الدهر من متمرِّدٍ | ماذا يلاقي الحرّ من أهواله |
سَعِدَ الشقيُّ بعيشه في جهله | وأخو الكمال معذَّبٌ بكماله |
وأنا الذي قهر الزمان بصبره | جلداً على الأرزاء من أنكاله |
ما زلت ندب الأكرمين وإنْ يكن | قَلَّ الكريمُ النَّدبُ في أجياله |
لله دَرُّ أبي جميل إنَّه | |
قَصُرَتْ يد الآمال دون مناله | |
لا تعدلنّ به الأَنام بأَسْرِها | شتّان بين تلوله وجباله |
فَلَكٌ تَدورُ به شموسُ مناقبٍ | يُشْرِقْنَ بين جماله وجلاله |
فسلِ النُّجومَ الزهرَ وهي طوالع | هلْ كُنَّ غير خلاله وخصاله |
متوقّلٌ جبل الأُبَّوة لم يزل | في القُلَّة القعساء وطء نعاله |
فمضتْ عزائمه على آماله | وقضتْ مكارمه على أمواله |
طود توقّره الحلومُ وباذخ | لا يطمع الحدثان في زلزاله |
حسب المكارم أنَّه من أهلها | من بعد أصحاب النبيّ وآله |
أصْبَحْتُ أعذر من يتيه بمدحه | عذر المليح بتيهه ودلاله |
فكأنَّما اغتبق القريضُ بذكره | كأسَ الشمول ترقرقتْ بشماله |
يرتاح للجدوى فيطرب أَنْ يُرى | وهابَ غرّ المال قبل سؤاله |
وإذا کنتقدت بني الزمان وجَدْتَه | رَجُلَ الزمان وواحداً برجاله |
هو شرعة الظّامي إذا الظّما | أَظما ولم أفْقِدْ نَميرَ زلاله |
وأنا الغريقُ من الجميل بزاخر | يكفي القلي النزر من أوشاله |
في كل ليلٍ حالكٍ من حادث | إنّي لمرتقبٌ طلوع هلاله |
لا غرو أَنْ أُكفى به عن غيره | هَلْ كنتُ إلاّ من أقلَّ عياله |
فكأَنَّه للناس أجْمَعِها أبٌ | يحنو لرأفته على أطفاله |
ولقد أقول لمن أراد نضاله | ما أنتَ يومَ الرَّوع من أبطاله |
في كلّ معترك لمشتجرٍ القنا | ضاقت فسيحاتُ الخطا بمجاله |
كالعارضِ المنهلّ يومَ نواله | والصارم المنسلّ يوم نزاله |
بأبي الفؤول الفاعل القرم الذي | تجنى ثمار الصدق من أقواله |
إنّي نعمتُ بجاهه وبماله | تعسَ البخيل بجاهه وبماله |
شملتني الألطاف منه بساعة | قبَّلت ظهرَ يمينه وشماله |
لا زال يُقْبِلُ بالعطاء عَليَّ من | أفضاله أبداً ومن إقباله |
متتابع النعماء جلّ مآربي | فيه ومعظم ثروتي من ماله |
ومحمّلي بالفضل شكراً سرَّني | أَنّي أكونُ اليوم من حمّاله |
عقل القريض لسانه ذووه وإنَّما | عَرَفَ الفتى من كان من أشكاله |
نسجت يداه من الثناء ملابساً | لا تنسج الدنيا على منواله |