لأسماءَ دارٌ حيثُ منقطع الرَّمل
مدة
قراءة القصيدة :
4 دقائق
.
لأسماءَ دارٌ حيثُ منقطع الرَّمل | سَقاها برجَافِ العَشِيَّة ِ منهلِّ |
وَجَرَّتْ عليها الذَّيلَ وطفاءُ أبرَقَتْ | وراحت ومن جلجالها زجلُ الفحل |
وإنّي لأستسقي لها وابلَ الحيا | وإنْ كان دمعي ما ينوب عن الوبل |
عهدتُ الهوى فيها وكانت كانّما | مواقيتها الأولى مواسم للوصل |
حلفتُ بأحشاءِ يحرّقها | وكلّ قريحِ الجفن بالدمع مبتلّ |
وما رُمِيَتْ من مهجة صادها الهوى | بمحكولة ِ العينين من غير ما كحل |
لقد فتكتْ بي أعينٌ بابليَّة ٌ | فويحك يا قلبي من الأعين النجل |
وقد فعل الشوق المبّرح في الحشا | كما تفعل النيران بالحطب الجزل |
وإنْ فاض دمعي لا أزال أريقه | فمن كبدٍ تصلى ومن لوعة تصلي |
وجور زمان لو أرى فيه منصفاً | لحاكمْتُه فيه إلى حكم عدل |
أمثلي يطوف الأرض شرقاً ومغرباً | على أرب يرضى من الكثر بالقلّ |
وتقذفني الأسفار في كلّ وجهة | فمن مهمهٍ وعرٍ إلى مهمهٍ سهلٍ |
وتحرمني الأيام ما أستحقُّه | فلا كانت الأيام إذ ذاك في حلّ |
وأرجع أختارُ الإقامة خاملاً | حليف الجهول الوغد والحاسد النذل |
وقد عكفت قومٌ على كلّ جاهلٍ | كما عكفت أقوامُ موسى على العجل |
يطاولني من لستُ أرضاه موطئاً | وأُكْرِمُ نعلي أنْ أقيسَ به نعلي |
وفاخرني من يحسب الجهل فخره | وناظري من لم يكن شكله شكلي |
فتبّاً لدهر تستذلُ قرومه | وتستكبِرُ الأنذال فيه وتستعلي |
أقاموا مقامي من جهلت بزعمهم | فما قام في عقدٍ هناك ولا حلِّ |
ولو طلبوا مثلي نفسَ حرٍّ أبيِّة ٍ | شديدٍ عليها في الدنا موقفُ الذلّ |
أواعدها والدهر يأبى بساعة ٍ | تَبُلُّ غليلي حين تنزعني غلّي |
ويعذلني من ليس يدري ولو درى | لما عجَّ في لومي ولا لجَّ في عذلي |
على أنّني ما بين شرّ عصابة ٍ | حريصين لا كانوا على الخلق الرذل |
لقد أنكروا أشياء أفضلهم بها | وما عرفوا في الدهر شيئاً سوى البخل |
وما أشفقوا من وخز دهياءَ طخية ٍ | كما أشفقوا يوم النوال من البذل |
مدحتُ شهاب الدين بالعلم والحجى | ومدح شهاب الدينفرضٌ على مثلي |
وما يَمَّمَتْ بي ناقة ٌ غير بابه | ولا وَقَّرتْ إلاَّ بإحسانه رحلي |
هو الشرف الأعلى هو العلم والتقى | تورَّثه عن جدّه سيّد الرسل |
متى حاولته اليعملات حثثتها | إلى السيّد المحمود بالقول والفعل |
إلى دوحة من هاشم نبويّة ٍ | نعم إنّ هذا الفرع من ذلك الأصل |
وإلاَّ تُحِطْ علماً بأعلم من بها | فَسَلْ من شجاع القوم عن جوهر النصل |
وإنّي إذ أصغي لمعنى حديثه | ثملتُ وتردادي بأمداحه نقلي |
كلامك لا ما راع من كلّ باهرٍ | ولفظك لا ما کشتير من كورة النحل |
وكتبك أمثال الشموس طوالع | فلا الليل يغشاها إذ الشكّ كالليل |
هديتَ بها من كان منها بحيرة | وأوْضَحْتَ في تبيانها غامضَ السبل |
وأمْلَيْتَ ما حارَتْ عقولُ الورى به | وأصبحت الأقلام تكتبُ ما تملي |
وما تنكر الدنيا بأنَّك عالمٌ | وإنْ كان هذا الدهر أَمْيَلَ للجهل |
وإنْ عدَّت الأشياخ بالعلم والحجى | فإنَّك شيخٌ الكلّ مولاي في الكلّ |
وأنتَ إمام المسلمين بأسرهم | عليك اعتماد القول بالنقل والعقل |
فلا أخذَ إلاّ عنك في الدين كلّه | ألا إنَّ حقَّ الأخذ من قولك الفصل |
وإنْ قال قومٌ قد عُزِلْتَ فإنّما | عُزِلتَ ولم تُعزَل عن العلم والفضل |
يحطُّ سواك العزلُ عن شرف العلى | ومثلُك لا يَنْحَطُّ ما عاش بالعزل |
وهل للمعالي لا أباً لأبيهم | سواك وإنْ يأبَ المعاند من بعل |
وهبها لدى أسرٍ لدى غير كفوها | فلو خليتْ جاءتك تمشي على رجل |
تحنُّ إلى محياك وهي مشوقة | إليك حنين المستهام إلى الوصل |
وكم منصب قد قال يوماً لأهله | إليكَ إذاً عنّي فما أَنْتَ من أهلي |
أَغَظْتُ بك الحُسّاد في كلِّ مدحة | أشدَّ علىا لأعداء من موقع النبل |
وقُلّتُ ولم أرجع إلى غير مثله | ويا كثرَ ما أخرتُ أشياء من قولي |
يغيظ كلامي فيك كلّ مناضلٍ | يرى من كلامي فيك نضنضة الصلّ |
وفيك أقولُ الحقّ حتّى لو کنّني | أذوقُ الرّدى فيه مريراً وأستحلي |